اللّغة العربيّة نهشٌ وامتهان بين المعلّم والتلميذ

صورة للأستاذ فردريك نجيمآلينا على انفسنا، نحن اللبنانيين، أن نأخذ بالكلمة صعدًا منذ أن وعاها الأنسان وأودعناها ذواتنا فكرًا وعاطفة وخيالاً فكانت الحياة التي أنشأناها وبعثناها في الأحرف ومهّدنا لها الطريق التي تُسلكُ في أبلغ أجمل ما يُقال. فاطلقنا النهضة إنارة ً في كلّ مدلهمّ ونحتًا في كل جامد وطفرًا إلى كل غيب.

وكان القرن التاسع عشر حافلاً بمواسم البركة. وجعلنا من المشرق العربي مشرقًا للّغة العربيّة الملحدة في أكفان الانحطاط. ورحنا نرصف على رمم قرونه شواهق معرفة تغدق ولا تبجّح ، وتمتدّ اليد القرشية تستعيد ما اندثر، واذا لنا في الطليعة إنتشار إبداع وإن تعدّانا سوانا إبداع وانتشار، أما اليوم فيوجعنا السؤال: كيف تُعلَّم اللّغة العربية؟

إن موضوع اللّغة هو موضوع البيئة التي توجّه الفطرة. وأيًا كان التأثير الذي يسيّر الميل الطبيعي لاقتباس لغة ما فإنّ النتيجة تعالج أسبابها مهما عراها من تباين، ولا ننكر أنّ عندنا من التلامذة والطلاب من هم أصلح قبولاً لدرس العربيّة وأكثر شغفًا بها، يوردونها ذواتهم بأهبة وفرة. وتتعهّدهم المدرسة لتنيلهم ما يهتدون إليه. ولكن ماذا يلقون أكثر الأحيان؟

إن أول ما يطالعنا بتهيّب قضية القاعدة في الصرف والنحو، وهي أعقد ما ينتاب المراحل العلميّة من شظف الأخذ والعطاء المتبادلين بين المعلّم  والتلميذ، وقد طمى كيل التهم على القواعد العربيّة، وفيها نهش، وامتهان وتعليل أبتر منشأها الغرور بالمعرفة، لأنّ معظم الذين يمارسون تعليم اللّغة العربيّة لا يتمرّسون به، إنما يقصرون الأمر على مشارفات سطحية لا عمق فيها، فلا يطّلعون على أصول اللّغة في مصادر أئمتها للتبحّر في هذا التحديد أو ذاك ووعي سببه العقلي الذي يستسيغه الفهم ليتلاءم أخيرًا مع سَنّ القاعدة، وهم يرتاحون إلى الجهل ويتبرّمون بالصرف والنحو لان تمثيلهما لم يكتمل في أدمغتهم فيستأثر بشعورهم استنكاف مستمر وفوضى مضنية يؤديان بهم إلى الاستقرار في النقص، ويعجزون عن أن يهبوا التلامذة كمال العلم. وطبيعيّ أن تكدّس الأصول اللّغوية في فهم التلامذة. فهم يقبلونها فرضًا لا عرضًا منطقيًا، إذ يعوزها التحليل المهيّء لنتائجها الذي في مكنته وحده أن يرسّخها مجلوّة في وعي الطالب، ثم يجثم العبء على صدر المتعلّم الذي يشوقه ان يستلذّ ما يستهويه فيتيه عن تحقيق إربه، وتحفظ القاعدة ذاكرته ولا يستوعبها عقله، فتبلى بعد قليل في زائلة النسيان، وحسبه أن لا يفقه القاعدة حتى تتعثّر لغته ويتفكّك تركيبها ومفرداتها ويحسّ في نفسه بعجز التعبير عمّا يراود خلده، فيلمّ بتفكيره بعضٌ من شلل العبارة حتى يفسد الاثنان معًا. إنّما العلم نور والتعليم توزيعه، وقد يغشاه ظلّ أو دكنة أو دجنة، إلا أن الموزع يجب أن يتحلّى باليد الملهمة التي تتدبّر مسحها ليتوهّج الإشراف فكيف يطمئن  التلميذ إلى فصل ما إذا سأل عن قاعدة فيه :سببها ومعنى اسمها. أجيب جوابًا قاصمًا: إنها قاعدة اختير لها هذا الوضع، فيخضع لهذا الحكم والبلبلة تأكله ويؤمن بما يأخذه بصره ولا تتلقّفه بصيرته. قليلون هم التلامذة الذين ينعمون بالتبسّط في معالجة المسألة اللّغوية، حتى لينوط أمرهم دائمًا بالحظ في أستاذهم الذي إن أكثر علمًا وسَخَا تعليمًا أنجحهم وإلا فَهُم هُيَّمٌ في مجاهلهم. فأي من النشء كلهم تقريبًا يعرف ما معنى الفعل المضارع أو نصب جمع المؤنث السالم بالكسرة عوضًا عن الفتحة، أو معنى الصفة المشبّهة أو بناء المنادى المفرد، أو نصب المضاف وغيره، أو جعل الحال نكرة مشتقة أو دَور الحركات في عمدة الجمل وفضلتها أو تجريد المضاف المعنويّ من أل والتنوين ونون التثنية والجمع، وكون اسم –لا- الثاقبة للجنس مبنيًا أحيانًا، إلى كلّ ما هنالك من اسئلة عدّة يفتقر الجواب عنها الى التحليل المنطقي البيّن الذي إذا حُرِمَه الطالِب فإنّما هو يستظهر القاعدة ولا يفقهها.

اللّغة العربيّة نهشٌ وامتهان بين المعلّم والتلميذ

صورة للأستاذ فردريك نجيمآلينا على انفسنا، نحن اللبنانيين، أن نأخذ بالكلمة صعدًا منذ أن وعاها الأنسان وأودعناها ذواتنا فكرًا وعاطفة وخيالاً فكانت الحياة التي أنشأناها وبعثناها في الأحرف ومهّدنا لها الطريق التي تُسلكُ في أبلغ أجمل ما يُقال. فاطلقنا النهضة إنارة ً في كلّ مدلهمّ ونحتًا في كل جامد وطفرًا إلى كل غيب.

وكان القرن التاسع عشر حافلاً بمواسم البركة. وجعلنا من المشرق العربي مشرقًا للّغة العربيّة الملحدة في أكفان الانحطاط. ورحنا نرصف على رمم قرونه شواهق معرفة تغدق ولا تبجّح ، وتمتدّ اليد القرشية تستعيد ما اندثر، واذا لنا في الطليعة إنتشار إبداع وإن تعدّانا سوانا إبداع وانتشار، أما اليوم فيوجعنا السؤال: كيف تُعلَّم اللّغة العربية؟

إن موضوع اللّغة هو موضوع البيئة التي توجّه الفطرة. وأيًا كان التأثير الذي يسيّر الميل الطبيعي لاقتباس لغة ما فإنّ النتيجة تعالج أسبابها مهما عراها من تباين، ولا ننكر أنّ عندنا من التلامذة والطلاب من هم أصلح قبولاً لدرس العربيّة وأكثر شغفًا بها، يوردونها ذواتهم بأهبة وفرة. وتتعهّدهم المدرسة لتنيلهم ما يهتدون إليه. ولكن ماذا يلقون أكثر الأحيان؟

إن أول ما يطالعنا بتهيّب قضية القاعدة في الصرف والنحو، وهي أعقد ما ينتاب المراحل العلميّة من شظف الأخذ والعطاء المتبادلين بين المعلّم  والتلميذ، وقد طمى كيل التهم على القواعد العربيّة، وفيها نهش، وامتهان وتعليل أبتر منشأها الغرور بالمعرفة، لأنّ معظم الذين يمارسون تعليم اللّغة العربيّة لا يتمرّسون به، إنما يقصرون الأمر على مشارفات سطحية لا عمق فيها، فلا يطّلعون على أصول اللّغة في مصادر أئمتها للتبحّر في هذا التحديد أو ذاك ووعي سببه العقلي الذي يستسيغه الفهم ليتلاءم أخيرًا مع سَنّ القاعدة، وهم يرتاحون إلى الجهل ويتبرّمون بالصرف والنحو لان تمثيلهما لم يكتمل في أدمغتهم فيستأثر بشعورهم استنكاف مستمر وفوضى مضنية يؤديان بهم إلى الاستقرار في النقص، ويعجزون عن أن يهبوا التلامذة كمال العلم. وطبيعيّ أن تكدّس الأصول اللّغوية في فهم التلامذة. فهم يقبلونها فرضًا لا عرضًا منطقيًا، إذ يعوزها التحليل المهيّء لنتائجها الذي في مكنته وحده أن يرسّخها مجلوّة في وعي الطالب، ثم يجثم العبء على صدر المتعلّم الذي يشوقه ان يستلذّ ما يستهويه فيتيه عن تحقيق إربه، وتحفظ القاعدة ذاكرته ولا يستوعبها عقله، فتبلى بعد قليل في زائلة النسيان، وحسبه أن لا يفقه القاعدة حتى تتعثّر لغته ويتفكّك تركيبها ومفرداتها ويحسّ في نفسه بعجز التعبير عمّا يراود خلده، فيلمّ بتفكيره بعضٌ من شلل العبارة حتى يفسد الاثنان معًا. إنّما العلم نور والتعليم توزيعه، وقد يغشاه ظلّ أو دكنة أو دجنة، إلا أن الموزع يجب أن يتحلّى باليد الملهمة التي تتدبّر مسحها ليتوهّج الإشراف فكيف يطمئن  التلميذ إلى فصل ما إذا سأل عن قاعدة فيه :سببها ومعنى اسمها. أجيب جوابًا قاصمًا: إنها قاعدة اختير لها هذا الوضع، فيخضع لهذا الحكم والبلبلة تأكله ويؤمن بما يأخذه بصره ولا تتلقّفه بصيرته. قليلون هم التلامذة الذين ينعمون بالتبسّط في معالجة المسألة اللّغوية، حتى لينوط أمرهم دائمًا بالحظ في أستاذهم الذي إن أكثر علمًا وسَخَا تعليمًا أنجحهم وإلا فَهُم هُيَّمٌ في مجاهلهم. فأي من النشء كلهم تقريبًا يعرف ما معنى الفعل المضارع أو نصب جمع المؤنث السالم بالكسرة عوضًا عن الفتحة، أو معنى الصفة المشبّهة أو بناء المنادى المفرد، أو نصب المضاف وغيره، أو جعل الحال نكرة مشتقة أو دَور الحركات في عمدة الجمل وفضلتها أو تجريد المضاف المعنويّ من أل والتنوين ونون التثنية والجمع، وكون اسم –لا- الثاقبة للجنس مبنيًا أحيانًا، إلى كلّ ما هنالك من اسئلة عدّة يفتقر الجواب عنها الى التحليل المنطقي البيّن الذي إذا حُرِمَه الطالِب فإنّما هو يستظهر القاعدة ولا يفقهها.

اللّغة العربيّة نهشٌ وامتهان بين المعلّم والتلميذ

صورة للأستاذ فردريك نجيمآلينا على انفسنا، نحن اللبنانيين، أن نأخذ بالكلمة صعدًا منذ أن وعاها الأنسان وأودعناها ذواتنا فكرًا وعاطفة وخيالاً فكانت الحياة التي أنشأناها وبعثناها في الأحرف ومهّدنا لها الطريق التي تُسلكُ في أبلغ أجمل ما يُقال. فاطلقنا النهضة إنارة ً في كلّ مدلهمّ ونحتًا في كل جامد وطفرًا إلى كل غيب.

وكان القرن التاسع عشر حافلاً بمواسم البركة. وجعلنا من المشرق العربي مشرقًا للّغة العربيّة الملحدة في أكفان الانحطاط. ورحنا نرصف على رمم قرونه شواهق معرفة تغدق ولا تبجّح ، وتمتدّ اليد القرشية تستعيد ما اندثر، واذا لنا في الطليعة إنتشار إبداع وإن تعدّانا سوانا إبداع وانتشار، أما اليوم فيوجعنا السؤال: كيف تُعلَّم اللّغة العربية؟

إن موضوع اللّغة هو موضوع البيئة التي توجّه الفطرة. وأيًا كان التأثير الذي يسيّر الميل الطبيعي لاقتباس لغة ما فإنّ النتيجة تعالج أسبابها مهما عراها من تباين، ولا ننكر أنّ عندنا من التلامذة والطلاب من هم أصلح قبولاً لدرس العربيّة وأكثر شغفًا بها، يوردونها ذواتهم بأهبة وفرة. وتتعهّدهم المدرسة لتنيلهم ما يهتدون إليه. ولكن ماذا يلقون أكثر الأحيان؟

إن أول ما يطالعنا بتهيّب قضية القاعدة في الصرف والنحو، وهي أعقد ما ينتاب المراحل العلميّة من شظف الأخذ والعطاء المتبادلين بين المعلّم  والتلميذ، وقد طمى كيل التهم على القواعد العربيّة، وفيها نهش، وامتهان وتعليل أبتر منشأها الغرور بالمعرفة، لأنّ معظم الذين يمارسون تعليم اللّغة العربيّة لا يتمرّسون به، إنما يقصرون الأمر على مشارفات سطحية لا عمق فيها، فلا يطّلعون على أصول اللّغة في مصادر أئمتها للتبحّر في هذا التحديد أو ذاك ووعي سببه العقلي الذي يستسيغه الفهم ليتلاءم أخيرًا مع سَنّ القاعدة، وهم يرتاحون إلى الجهل ويتبرّمون بالصرف والنحو لان تمثيلهما لم يكتمل في أدمغتهم فيستأثر بشعورهم استنكاف مستمر وفوضى مضنية يؤديان بهم إلى الاستقرار في النقص، ويعجزون عن أن يهبوا التلامذة كمال العلم. وطبيعيّ أن تكدّس الأصول اللّغوية في فهم التلامذة. فهم يقبلونها فرضًا لا عرضًا منطقيًا، إذ يعوزها التحليل المهيّء لنتائجها الذي في مكنته وحده أن يرسّخها مجلوّة في وعي الطالب، ثم يجثم العبء على صدر المتعلّم الذي يشوقه ان يستلذّ ما يستهويه فيتيه عن تحقيق إربه، وتحفظ القاعدة ذاكرته ولا يستوعبها عقله، فتبلى بعد قليل في زائلة النسيان، وحسبه أن لا يفقه القاعدة حتى تتعثّر لغته ويتفكّك تركيبها ومفرداتها ويحسّ في نفسه بعجز التعبير عمّا يراود خلده، فيلمّ بتفكيره بعضٌ من شلل العبارة حتى يفسد الاثنان معًا. إنّما العلم نور والتعليم توزيعه، وقد يغشاه ظلّ أو دكنة أو دجنة، إلا أن الموزع يجب أن يتحلّى باليد الملهمة التي تتدبّر مسحها ليتوهّج الإشراف فكيف يطمئن  التلميذ إلى فصل ما إذا سأل عن قاعدة فيه :سببها ومعنى اسمها. أجيب جوابًا قاصمًا: إنها قاعدة اختير لها هذا الوضع، فيخضع لهذا الحكم والبلبلة تأكله ويؤمن بما يأخذه بصره ولا تتلقّفه بصيرته. قليلون هم التلامذة الذين ينعمون بالتبسّط في معالجة المسألة اللّغوية، حتى لينوط أمرهم دائمًا بالحظ في أستاذهم الذي إن أكثر علمًا وسَخَا تعليمًا أنجحهم وإلا فَهُم هُيَّمٌ في مجاهلهم. فأي من النشء كلهم تقريبًا يعرف ما معنى الفعل المضارع أو نصب جمع المؤنث السالم بالكسرة عوضًا عن الفتحة، أو معنى الصفة المشبّهة أو بناء المنادى المفرد، أو نصب المضاف وغيره، أو جعل الحال نكرة مشتقة أو دَور الحركات في عمدة الجمل وفضلتها أو تجريد المضاف المعنويّ من أل والتنوين ونون التثنية والجمع، وكون اسم –لا- الثاقبة للجنس مبنيًا أحيانًا، إلى كلّ ما هنالك من اسئلة عدّة يفتقر الجواب عنها الى التحليل المنطقي البيّن الذي إذا حُرِمَه الطالِب فإنّما هو يستظهر القاعدة ولا يفقهها.