واقع تعليم اللّغة العربيَّة

       د.روعة محمد ناجي ما من شكٍّ في أنّ اللّغة العربيّةلم تعد كما كانت لغة الحياة والثقافة، وما من شكٍّ في أنّ المدارس ومناهجها لم تستطع _ إلى الآن _ أن تُحْدِثَ النهضة اللّغويّة المرتجاة، وهذا التراجع اللّغويّ واضح في نتائج الامتحانات الرسميّة، وخصوصًا نتائج دورة 2013 العاديّة للشهادة المتوسّطة، «القشّة قاصمة ظهر بعير الفضيحة التعليميّة»، حيث بلغت نسبة النجاح، في مادّة اللّغة العربيّة، 30% ، وبلغ المعدّل العامّ للمادّة ثمانية على عشرين، ما أثار ضجّة صارخة في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئيّة؛ وتناولت مقالات كثيرة ظاهرة الرسوب هذه، تحليلاً وتعليلاً، ومحاولة تحديد المسؤولين عنها، وكثرت النقاشات والسجالات والاتِّهامات. فبعضهم عزاها إلى صعوبة المسابقة، وآخرون إلى التشديد في التصحيح، وآخرون إلى تدنّي المستوى اللّغويّ والثقافيّ عند الطلّاب، وغير ذلك من الأسباب...

        ومهما يكن من أمر، فالواقع المحقّق هو تدنّي مستوى الطلّاب في اللّغة العربيّة. ولو بحثنا في هذا الواقع، لوجدناه يُلوِّح بأسباب من العسير حصرها في بضعة أسطر، أو حتّى في مقالة واحدة. فهناك جوانب عدّة يجب النظر منها للإحاطة بالموضوع، بدءًا من المنهج والكتاب، مرورًا بالمعلّم والتلميذ، وصولًا إلى المسابقة والتقييم.

        فمن حيث المنهج ثَمَّة إشارة إلى التقنيّات والمصطلحات التي استحدثت فيه، والتي لا يزال الهدف منها غير واضح لدى الكثير من المعلّمين والمتعلّمين على السواء. فإن كان تعلُّم اللّغة يهدف إلى فهم ما يُقرأ أو يُسمع والتعبير عنه، فما جدوى تدريس الأنماط، والحقل المعجميّ، والترويسة، وغيرها الكثير؟ وما دور هذه المسمّيات في هذين المجالين؟!

        وإن أراد الطالب، مثلاً، أن يدافع عن رأي، أو أن يبرهن فكرة، فليس بحاجة إلى معرفة النمط البرهانيّ ومؤشِّراته، وإن قرأ نصًّا أدبيًّا أو مقالة علميّة، أو فكريّة، لا نجده يستخدم معرفته بتقنيّات الأنماط ومؤشّراتها؛ ولو طلبنا منه وصف البحر، مثلًا، فإنّه لا يستخدم الحقل المعجميّ للمدرسة، سواء أَدَرَس مفهوم "الحقل المعجميّ" أم لم يدرسه!! كذلك لا يتوقّف فهمه لأيّ نصّ على دراسة الترويسة والحواشي وغيرها من المسمّيات...

        ما عاد الطالب اليوم يتذوّق جمال لغته، بل صارت اللّغة العربيّة محصورة في مجموعة "تقنيّات" لا تُثمر ولا تُغْني.. كما أنّ تبسيط المنهج أدّى إلى فقدان البناء المنطقيّ للّغة، ما جعل عمليّة التعلّم أصعب لا أسهل!!

        أمّا من جهة الكتاب المدرسيّ الوطنيّ، الذي هو وليد المنهج، فيجب أن يراعي متطلّبات الامتحانات الرسميّة، إن من جهة اختيار النصوص، أو من جهة طرح الأسئلة. كما يجب أن يكون متلائمًا مع المنهج الرسمي.

        وبالنسبة إلى المعلّم، فمع فائق الاحترام لامتحانات مجلس الخدمة المدنيّة، الذي لا يزال يحتفظ بالكثير من الشفافية المهنيّة، إلا أنّه غير قادر وحده على منع عناصر غير مؤهّلة للتعليم من العبور إلى الجهاز التعليميّ. لذلك لا بدّ من إلزام المعلّم بالخضوع الدائم لدورات التأهيل والتطوير، ومن متابعته ومراقبته بشكل دائم، وإيجاد آليّة للتصفيات، ليظلَّ دائم اليقظة، حريصًا على تطوير نفسه في اختصاصه.

        وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ منهج دار المعلّمين وكلّيّة التربية يركّز على موادّ التربية والتعليم والتقييم، ويهمل البناء اللّغويّ للمعلّم، فقد تجد متفوّقًا، في دار المعلّمين، إلّا أنّه لا يتقن التعبير باللّغة العربيّة الفصيحة، ويفتقر إلى الكثير من قواعد اللّغة، وفاقد الشيء لا يعطيه. فكثيرًا ما نجد "المعرّبين" يستخدمون العامّيّة في حصص اللّغة العربيّة، ناهيك باستخدامها في تدريس الموادّ الأخرى: كالتاريخ، والجغرافيا، وعلم الاجتماع، والتربية المدنيّة... إنّ الصغار بالكبار يتشبّهون!! فماذا ننتظر من طلّابنا اليوم وأساتذتهم يُدَرِّسونَهم اللّغة العربيّة بالعاميّة؟!

        لا شكّ في أنّ للمعلّم دورًا كبيرًا في جعل التلميذ يحبّ لغته الأمّ، وهذا يتوقّف على براعته في إثارة اهتمامه بها، وترغيبه في تحصيلها، وإقباله عليها بشتّى الوسائل والأنشطة.

        كما أنّ للمعلّم دورًا لا يستهان به في إعداد تلامذته إعدادًا كافيًا، فيمكّنهم من الكفايات المطلوبة التي نصّ عليها المنهج، ويدرّبهم على طُرُق الإجابة، فيحاكي نماذج الامتحانات الرسميّة، سواء في ذلك وضع المسابقة أو أسس تصحيحها؛ ومن هنا كان لزامًا عليه حضور جلسات أسس التصحيح والمشاركة فيها قدر الإمكان.

        أما بالنسبة إلى الطالب، فالملحوظ استخفافه باللّغة العربيّة، فهو لا يعيرها ما ينبغي من اهتمام، بل نراه يصبّ جهوده على الموادّ العلميّة والاجتماعيّات، وتعليل ذلك هو التوجّه العلميّ، والأهل عامل مؤثّر في هذه الناحية، إضافة إلى إمكانيّة ضمان تحصيل العلامة الكاملة في تلك الموادّ. وبالرغم من أنّ علامة اللّغة العربيّة في الشهادة المتوسّطة تُعَدِّل علامة مادّة الرياضيّات (ستون علامة، وهي العلامة الأعلى بين الموادّ)، فإنّنا نرى الأهل والطلّاب، وحتّى المسؤولين التربويّين في المدارس، يصرفون جلّ اهتمامهم وتركيزهم على الموادّ العلميّة، ونادرًا ما نجدهم يُعلِّمون أبناءهم وطلّابَهم اللّغة العربيّة تعليمًا إضافيًّا، بينما تكتظّ المناطق بمراكز التعليم الخصوصيّ للموادّ العلميّة.

        أضف إلى ذلك عزوف الطالب عن المطالعة، وهي الأساس في تنمية الملكة اللغويّة والتعبيريّة، وإثرائها عنده. وتتفاقم هذه المشكلة مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعيّ (الفيسبوك – الواتساب – التويتر وغيرها...) والتي أثّرت سلبًا في اللّغة العربيّة، باعتماد الكتابة بالعاميّة، أو بالحروف الأجنبيّة، أو بالرموز المتعارف على تسميتها بـ"لغة الإنترنت"، ما أضعف قدرة الطالب على التعبير باللّغة الفصيحة؛ كما أثَّرت في المطالعة، إذ يستسهل الطالب البحث السريع من دون القراءة المتأنّية، لا بل تطوّر الأمر إلى أخطر من ذلك بكثير؛ فبدل أن تكون تلك المواقع بابًا للبحث والاطّلاع المعرفيّ، صارت وسيلة للّهو والتسلية والتعارف.. ونادرًا ما نشاهد طالبًا يرتاد المكتبات، أو يحتضن كتابًا؛ بينما نراه معانقًا هاتفًا، أو مشغوف الفؤاد بآلة يلعب بها، أو مسلوب العقل أمام جهاز الكمبيوتر، أو شاخصًا أمام إحدى المحطّات يتابع مسلسلًا مكسيكيًّا أو تركيًّا... وما هذا سوى غيض من فيضٍ، الأمر الذي أدّى إلى هدم جسور التواصل مع لغته الأمّ، إن لم نقل هدم جسور التواصل مع قيمه ومبادئه وثقافته.

        وأمّا بالنسبة إلى المسابقة، فلعلّ مسابقة الشهادة المتوسّطة العاديّة، للعام 2013، تمثّل نموذجًا واضحًا للخَلَل المتعلّق بالمسابقات الرسميّة، ونكتفي هنا بالإشارة إلى نقطتين:

        الأولى: الرتابة والنمطيّة، بحيث لا تستفزّ ذكاء الطالب، ولا تتفتّق معها قدراته التعبيريّة، وبالتالي يفقد الدافع بالرغم من بساطة المسابقة.

        الثانية: كثرة الأسئلة، إذ تتضمّن المسابقة اثني عشر سؤالاً في التحليل، وتفريع بعضها (الثاني، والخامس، والتاسع، والحادي عشر) إضافة إلى التعبير الكتابيّ. وتجدر الإشارة إلى أنّ الإجابة عن هذه الأسئلة تستغرق وقتًا لا يُستهان به، وكان الواجب أن تعطى وقتًا أطول أو أن يُقلَّل عدد الأسئلة.

        وكذلك في التقييم، ولا نعني هنا تقييم المصحّحين للمسابقات، ولا أسس التصحيح، وإنّما نكتفي بالإشارة إلى الاختلاف في التقييم بين المدرسة والشهادة الرسميّة، ففي المدرسة ثَمّة تقييم للتواصل الشفهيّ، ويشكّل نسبة أربعين في المئة من العلامة، بينما يُعطى التقييم الكتابيّ نسبة ستّين في المئة؛ أمّا في الشهادة الرسميّة فالتقييم كتابيّ صرف.

توصيات ومقترحات:

        انطلاقاً ممّا تقدّم، وسعيًا لإصلاح الخلل، أقترح، في الختام، بعض التوصيات:

  •  أن يعاد النظر في منهج مادّة اللّغة العربيّة، فتعود إليها الحياة، وذلك بأن ترجع المادّة أدبيّة بكلّ ما في الكلمة من معنى (وبخاصّة في المرحلة الثانويّة) يتذوّق فيها الطالب الأدب شعرًا ونثرًا؛ أمّا التذرّع بأنّ هناك فروعًا علميّة، فهذا يُراعى في العلامة لا في الإساءة إلى المادّة واللّغة.
  •  أن يحرص "المعرّبون" على استخدام اللّغة الفصيحة في أثناء حصص التدّريس، وكذلك أساتذة الاجتماعيّات، فيستأنس الطالب بلغته، ويصبح قادرًا على التعبير الشفهيّ السليم بطلاقة؛ كما أنّ عليهم أن يطوّروا أنفسهم في مجال اختصاصهم، والاطّلاع على كلّ جديد مفيد، إضافة إلى ضرورة مشاركتهم في جلسات أسس التصحيح، ويستحسن أن يشاركوا في عمليّة التصحيح، ولو بعدد قليل من المسابقات، لكي يكونوا على بيّنة من الأمر.
  •  أن تكون المسابقة أكثر دقّة، شكلًا (النسق الطباعيّ)، ومضمونًا (من حيث طبيعة الأسئلة والوقت المحدّد لها)، بما يتلاءم مع قدرات الطالب.
  •  أن يقتصر التقييم المدرسيّ، في اللّغة العربيّة، على التواصل الكتابيّ في صفوف الشهادات استثنائيًّا.
  •  أن نعزّز الاهتمام باللّغة العربيّة، ونرغّب الطلّاب فيها بأنشطة لاصفّيّة (سوق عكاظ، إجراء مباريات في كتابة قصّة، أو ترجمة كتاب، أو تعبير كتابيّ، أو إلقاء، أو عمل مسرحيّ...) 

واقع تعليم اللّغة العربيَّة

       د.روعة محمد ناجي ما من شكٍّ في أنّ اللّغة العربيّةلم تعد كما كانت لغة الحياة والثقافة، وما من شكٍّ في أنّ المدارس ومناهجها لم تستطع _ إلى الآن _ أن تُحْدِثَ النهضة اللّغويّة المرتجاة، وهذا التراجع اللّغويّ واضح في نتائج الامتحانات الرسميّة، وخصوصًا نتائج دورة 2013 العاديّة للشهادة المتوسّطة، «القشّة قاصمة ظهر بعير الفضيحة التعليميّة»، حيث بلغت نسبة النجاح، في مادّة اللّغة العربيّة، 30% ، وبلغ المعدّل العامّ للمادّة ثمانية على عشرين، ما أثار ضجّة صارخة في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئيّة؛ وتناولت مقالات كثيرة ظاهرة الرسوب هذه، تحليلاً وتعليلاً، ومحاولة تحديد المسؤولين عنها، وكثرت النقاشات والسجالات والاتِّهامات. فبعضهم عزاها إلى صعوبة المسابقة، وآخرون إلى التشديد في التصحيح، وآخرون إلى تدنّي المستوى اللّغويّ والثقافيّ عند الطلّاب، وغير ذلك من الأسباب...

        ومهما يكن من أمر، فالواقع المحقّق هو تدنّي مستوى الطلّاب في اللّغة العربيّة. ولو بحثنا في هذا الواقع، لوجدناه يُلوِّح بأسباب من العسير حصرها في بضعة أسطر، أو حتّى في مقالة واحدة. فهناك جوانب عدّة يجب النظر منها للإحاطة بالموضوع، بدءًا من المنهج والكتاب، مرورًا بالمعلّم والتلميذ، وصولًا إلى المسابقة والتقييم.

        فمن حيث المنهج ثَمَّة إشارة إلى التقنيّات والمصطلحات التي استحدثت فيه، والتي لا يزال الهدف منها غير واضح لدى الكثير من المعلّمين والمتعلّمين على السواء. فإن كان تعلُّم اللّغة يهدف إلى فهم ما يُقرأ أو يُسمع والتعبير عنه، فما جدوى تدريس الأنماط، والحقل المعجميّ، والترويسة، وغيرها الكثير؟ وما دور هذه المسمّيات في هذين المجالين؟!

        وإن أراد الطالب، مثلاً، أن يدافع عن رأي، أو أن يبرهن فكرة، فليس بحاجة إلى معرفة النمط البرهانيّ ومؤشِّراته، وإن قرأ نصًّا أدبيًّا أو مقالة علميّة، أو فكريّة، لا نجده يستخدم معرفته بتقنيّات الأنماط ومؤشّراتها؛ ولو طلبنا منه وصف البحر، مثلًا، فإنّه لا يستخدم الحقل المعجميّ للمدرسة، سواء أَدَرَس مفهوم "الحقل المعجميّ" أم لم يدرسه!! كذلك لا يتوقّف فهمه لأيّ نصّ على دراسة الترويسة والحواشي وغيرها من المسمّيات...

        ما عاد الطالب اليوم يتذوّق جمال لغته، بل صارت اللّغة العربيّة محصورة في مجموعة "تقنيّات" لا تُثمر ولا تُغْني.. كما أنّ تبسيط المنهج أدّى إلى فقدان البناء المنطقيّ للّغة، ما جعل عمليّة التعلّم أصعب لا أسهل!!

        أمّا من جهة الكتاب المدرسيّ الوطنيّ، الذي هو وليد المنهج، فيجب أن يراعي متطلّبات الامتحانات الرسميّة، إن من جهة اختيار النصوص، أو من جهة طرح الأسئلة. كما يجب أن يكون متلائمًا مع المنهج الرسمي.

        وبالنسبة إلى المعلّم، فمع فائق الاحترام لامتحانات مجلس الخدمة المدنيّة، الذي لا يزال يحتفظ بالكثير من الشفافية المهنيّة، إلا أنّه غير قادر وحده على منع عناصر غير مؤهّلة للتعليم من العبور إلى الجهاز التعليميّ. لذلك لا بدّ من إلزام المعلّم بالخضوع الدائم لدورات التأهيل والتطوير، ومن متابعته ومراقبته بشكل دائم، وإيجاد آليّة للتصفيات، ليظلَّ دائم اليقظة، حريصًا على تطوير نفسه في اختصاصه.

        وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ منهج دار المعلّمين وكلّيّة التربية يركّز على موادّ التربية والتعليم والتقييم، ويهمل البناء اللّغويّ للمعلّم، فقد تجد متفوّقًا، في دار المعلّمين، إلّا أنّه لا يتقن التعبير باللّغة العربيّة الفصيحة، ويفتقر إلى الكثير من قواعد اللّغة، وفاقد الشيء لا يعطيه. فكثيرًا ما نجد "المعرّبين" يستخدمون العامّيّة في حصص اللّغة العربيّة، ناهيك باستخدامها في تدريس الموادّ الأخرى: كالتاريخ، والجغرافيا، وعلم الاجتماع، والتربية المدنيّة... إنّ الصغار بالكبار يتشبّهون!! فماذا ننتظر من طلّابنا اليوم وأساتذتهم يُدَرِّسونَهم اللّغة العربيّة بالعاميّة؟!

        لا شكّ في أنّ للمعلّم دورًا كبيرًا في جعل التلميذ يحبّ لغته الأمّ، وهذا يتوقّف على براعته في إثارة اهتمامه بها، وترغيبه في تحصيلها، وإقباله عليها بشتّى الوسائل والأنشطة.

        كما أنّ للمعلّم دورًا لا يستهان به في إعداد تلامذته إعدادًا كافيًا، فيمكّنهم من الكفايات المطلوبة التي نصّ عليها المنهج، ويدرّبهم على طُرُق الإجابة، فيحاكي نماذج الامتحانات الرسميّة، سواء في ذلك وضع المسابقة أو أسس تصحيحها؛ ومن هنا كان لزامًا عليه حضور جلسات أسس التصحيح والمشاركة فيها قدر الإمكان.

        أما بالنسبة إلى الطالب، فالملحوظ استخفافه باللّغة العربيّة، فهو لا يعيرها ما ينبغي من اهتمام، بل نراه يصبّ جهوده على الموادّ العلميّة والاجتماعيّات، وتعليل ذلك هو التوجّه العلميّ، والأهل عامل مؤثّر في هذه الناحية، إضافة إلى إمكانيّة ضمان تحصيل العلامة الكاملة في تلك الموادّ. وبالرغم من أنّ علامة اللّغة العربيّة في الشهادة المتوسّطة تُعَدِّل علامة مادّة الرياضيّات (ستون علامة، وهي العلامة الأعلى بين الموادّ)، فإنّنا نرى الأهل والطلّاب، وحتّى المسؤولين التربويّين في المدارس، يصرفون جلّ اهتمامهم وتركيزهم على الموادّ العلميّة، ونادرًا ما نجدهم يُعلِّمون أبناءهم وطلّابَهم اللّغة العربيّة تعليمًا إضافيًّا، بينما تكتظّ المناطق بمراكز التعليم الخصوصيّ للموادّ العلميّة.

        أضف إلى ذلك عزوف الطالب عن المطالعة، وهي الأساس في تنمية الملكة اللغويّة والتعبيريّة، وإثرائها عنده. وتتفاقم هذه المشكلة مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعيّ (الفيسبوك – الواتساب – التويتر وغيرها...) والتي أثّرت سلبًا في اللّغة العربيّة، باعتماد الكتابة بالعاميّة، أو بالحروف الأجنبيّة، أو بالرموز المتعارف على تسميتها بـ"لغة الإنترنت"، ما أضعف قدرة الطالب على التعبير باللّغة الفصيحة؛ كما أثَّرت في المطالعة، إذ يستسهل الطالب البحث السريع من دون القراءة المتأنّية، لا بل تطوّر الأمر إلى أخطر من ذلك بكثير؛ فبدل أن تكون تلك المواقع بابًا للبحث والاطّلاع المعرفيّ، صارت وسيلة للّهو والتسلية والتعارف.. ونادرًا ما نشاهد طالبًا يرتاد المكتبات، أو يحتضن كتابًا؛ بينما نراه معانقًا هاتفًا، أو مشغوف الفؤاد بآلة يلعب بها، أو مسلوب العقل أمام جهاز الكمبيوتر، أو شاخصًا أمام إحدى المحطّات يتابع مسلسلًا مكسيكيًّا أو تركيًّا... وما هذا سوى غيض من فيضٍ، الأمر الذي أدّى إلى هدم جسور التواصل مع لغته الأمّ، إن لم نقل هدم جسور التواصل مع قيمه ومبادئه وثقافته.

        وأمّا بالنسبة إلى المسابقة، فلعلّ مسابقة الشهادة المتوسّطة العاديّة، للعام 2013، تمثّل نموذجًا واضحًا للخَلَل المتعلّق بالمسابقات الرسميّة، ونكتفي هنا بالإشارة إلى نقطتين:

        الأولى: الرتابة والنمطيّة، بحيث لا تستفزّ ذكاء الطالب، ولا تتفتّق معها قدراته التعبيريّة، وبالتالي يفقد الدافع بالرغم من بساطة المسابقة.

        الثانية: كثرة الأسئلة، إذ تتضمّن المسابقة اثني عشر سؤالاً في التحليل، وتفريع بعضها (الثاني، والخامس، والتاسع، والحادي عشر) إضافة إلى التعبير الكتابيّ. وتجدر الإشارة إلى أنّ الإجابة عن هذه الأسئلة تستغرق وقتًا لا يُستهان به، وكان الواجب أن تعطى وقتًا أطول أو أن يُقلَّل عدد الأسئلة.

        وكذلك في التقييم، ولا نعني هنا تقييم المصحّحين للمسابقات، ولا أسس التصحيح، وإنّما نكتفي بالإشارة إلى الاختلاف في التقييم بين المدرسة والشهادة الرسميّة، ففي المدرسة ثَمّة تقييم للتواصل الشفهيّ، ويشكّل نسبة أربعين في المئة من العلامة، بينما يُعطى التقييم الكتابيّ نسبة ستّين في المئة؛ أمّا في الشهادة الرسميّة فالتقييم كتابيّ صرف.

توصيات ومقترحات:

        انطلاقاً ممّا تقدّم، وسعيًا لإصلاح الخلل، أقترح، في الختام، بعض التوصيات:

  •  أن يعاد النظر في منهج مادّة اللّغة العربيّة، فتعود إليها الحياة، وذلك بأن ترجع المادّة أدبيّة بكلّ ما في الكلمة من معنى (وبخاصّة في المرحلة الثانويّة) يتذوّق فيها الطالب الأدب شعرًا ونثرًا؛ أمّا التذرّع بأنّ هناك فروعًا علميّة، فهذا يُراعى في العلامة لا في الإساءة إلى المادّة واللّغة.
  •  أن يحرص "المعرّبون" على استخدام اللّغة الفصيحة في أثناء حصص التدّريس، وكذلك أساتذة الاجتماعيّات، فيستأنس الطالب بلغته، ويصبح قادرًا على التعبير الشفهيّ السليم بطلاقة؛ كما أنّ عليهم أن يطوّروا أنفسهم في مجال اختصاصهم، والاطّلاع على كلّ جديد مفيد، إضافة إلى ضرورة مشاركتهم في جلسات أسس التصحيح، ويستحسن أن يشاركوا في عمليّة التصحيح، ولو بعدد قليل من المسابقات، لكي يكونوا على بيّنة من الأمر.
  •  أن تكون المسابقة أكثر دقّة، شكلًا (النسق الطباعيّ)، ومضمونًا (من حيث طبيعة الأسئلة والوقت المحدّد لها)، بما يتلاءم مع قدرات الطالب.
  •  أن يقتصر التقييم المدرسيّ، في اللّغة العربيّة، على التواصل الكتابيّ في صفوف الشهادات استثنائيًّا.
  •  أن نعزّز الاهتمام باللّغة العربيّة، ونرغّب الطلّاب فيها بأنشطة لاصفّيّة (سوق عكاظ، إجراء مباريات في كتابة قصّة، أو ترجمة كتاب، أو تعبير كتابيّ، أو إلقاء، أو عمل مسرحيّ...) 

واقع تعليم اللّغة العربيَّة

       د.روعة محمد ناجي ما من شكٍّ في أنّ اللّغة العربيّةلم تعد كما كانت لغة الحياة والثقافة، وما من شكٍّ في أنّ المدارس ومناهجها لم تستطع _ إلى الآن _ أن تُحْدِثَ النهضة اللّغويّة المرتجاة، وهذا التراجع اللّغويّ واضح في نتائج الامتحانات الرسميّة، وخصوصًا نتائج دورة 2013 العاديّة للشهادة المتوسّطة، «القشّة قاصمة ظهر بعير الفضيحة التعليميّة»، حيث بلغت نسبة النجاح، في مادّة اللّغة العربيّة، 30% ، وبلغ المعدّل العامّ للمادّة ثمانية على عشرين، ما أثار ضجّة صارخة في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئيّة؛ وتناولت مقالات كثيرة ظاهرة الرسوب هذه، تحليلاً وتعليلاً، ومحاولة تحديد المسؤولين عنها، وكثرت النقاشات والسجالات والاتِّهامات. فبعضهم عزاها إلى صعوبة المسابقة، وآخرون إلى التشديد في التصحيح، وآخرون إلى تدنّي المستوى اللّغويّ والثقافيّ عند الطلّاب، وغير ذلك من الأسباب...

        ومهما يكن من أمر، فالواقع المحقّق هو تدنّي مستوى الطلّاب في اللّغة العربيّة. ولو بحثنا في هذا الواقع، لوجدناه يُلوِّح بأسباب من العسير حصرها في بضعة أسطر، أو حتّى في مقالة واحدة. فهناك جوانب عدّة يجب النظر منها للإحاطة بالموضوع، بدءًا من المنهج والكتاب، مرورًا بالمعلّم والتلميذ، وصولًا إلى المسابقة والتقييم.

        فمن حيث المنهج ثَمَّة إشارة إلى التقنيّات والمصطلحات التي استحدثت فيه، والتي لا يزال الهدف منها غير واضح لدى الكثير من المعلّمين والمتعلّمين على السواء. فإن كان تعلُّم اللّغة يهدف إلى فهم ما يُقرأ أو يُسمع والتعبير عنه، فما جدوى تدريس الأنماط، والحقل المعجميّ، والترويسة، وغيرها الكثير؟ وما دور هذه المسمّيات في هذين المجالين؟!

        وإن أراد الطالب، مثلاً، أن يدافع عن رأي، أو أن يبرهن فكرة، فليس بحاجة إلى معرفة النمط البرهانيّ ومؤشِّراته، وإن قرأ نصًّا أدبيًّا أو مقالة علميّة، أو فكريّة، لا نجده يستخدم معرفته بتقنيّات الأنماط ومؤشّراتها؛ ولو طلبنا منه وصف البحر، مثلًا، فإنّه لا يستخدم الحقل المعجميّ للمدرسة، سواء أَدَرَس مفهوم "الحقل المعجميّ" أم لم يدرسه!! كذلك لا يتوقّف فهمه لأيّ نصّ على دراسة الترويسة والحواشي وغيرها من المسمّيات...

        ما عاد الطالب اليوم يتذوّق جمال لغته، بل صارت اللّغة العربيّة محصورة في مجموعة "تقنيّات" لا تُثمر ولا تُغْني.. كما أنّ تبسيط المنهج أدّى إلى فقدان البناء المنطقيّ للّغة، ما جعل عمليّة التعلّم أصعب لا أسهل!!

        أمّا من جهة الكتاب المدرسيّ الوطنيّ، الذي هو وليد المنهج، فيجب أن يراعي متطلّبات الامتحانات الرسميّة، إن من جهة اختيار النصوص، أو من جهة طرح الأسئلة. كما يجب أن يكون متلائمًا مع المنهج الرسمي.

        وبالنسبة إلى المعلّم، فمع فائق الاحترام لامتحانات مجلس الخدمة المدنيّة، الذي لا يزال يحتفظ بالكثير من الشفافية المهنيّة، إلا أنّه غير قادر وحده على منع عناصر غير مؤهّلة للتعليم من العبور إلى الجهاز التعليميّ. لذلك لا بدّ من إلزام المعلّم بالخضوع الدائم لدورات التأهيل والتطوير، ومن متابعته ومراقبته بشكل دائم، وإيجاد آليّة للتصفيات، ليظلَّ دائم اليقظة، حريصًا على تطوير نفسه في اختصاصه.

        وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ منهج دار المعلّمين وكلّيّة التربية يركّز على موادّ التربية والتعليم والتقييم، ويهمل البناء اللّغويّ للمعلّم، فقد تجد متفوّقًا، في دار المعلّمين، إلّا أنّه لا يتقن التعبير باللّغة العربيّة الفصيحة، ويفتقر إلى الكثير من قواعد اللّغة، وفاقد الشيء لا يعطيه. فكثيرًا ما نجد "المعرّبين" يستخدمون العامّيّة في حصص اللّغة العربيّة، ناهيك باستخدامها في تدريس الموادّ الأخرى: كالتاريخ، والجغرافيا، وعلم الاجتماع، والتربية المدنيّة... إنّ الصغار بالكبار يتشبّهون!! فماذا ننتظر من طلّابنا اليوم وأساتذتهم يُدَرِّسونَهم اللّغة العربيّة بالعاميّة؟!

        لا شكّ في أنّ للمعلّم دورًا كبيرًا في جعل التلميذ يحبّ لغته الأمّ، وهذا يتوقّف على براعته في إثارة اهتمامه بها، وترغيبه في تحصيلها، وإقباله عليها بشتّى الوسائل والأنشطة.

        كما أنّ للمعلّم دورًا لا يستهان به في إعداد تلامذته إعدادًا كافيًا، فيمكّنهم من الكفايات المطلوبة التي نصّ عليها المنهج، ويدرّبهم على طُرُق الإجابة، فيحاكي نماذج الامتحانات الرسميّة، سواء في ذلك وضع المسابقة أو أسس تصحيحها؛ ومن هنا كان لزامًا عليه حضور جلسات أسس التصحيح والمشاركة فيها قدر الإمكان.

        أما بالنسبة إلى الطالب، فالملحوظ استخفافه باللّغة العربيّة، فهو لا يعيرها ما ينبغي من اهتمام، بل نراه يصبّ جهوده على الموادّ العلميّة والاجتماعيّات، وتعليل ذلك هو التوجّه العلميّ، والأهل عامل مؤثّر في هذه الناحية، إضافة إلى إمكانيّة ضمان تحصيل العلامة الكاملة في تلك الموادّ. وبالرغم من أنّ علامة اللّغة العربيّة في الشهادة المتوسّطة تُعَدِّل علامة مادّة الرياضيّات (ستون علامة، وهي العلامة الأعلى بين الموادّ)، فإنّنا نرى الأهل والطلّاب، وحتّى المسؤولين التربويّين في المدارس، يصرفون جلّ اهتمامهم وتركيزهم على الموادّ العلميّة، ونادرًا ما نجدهم يُعلِّمون أبناءهم وطلّابَهم اللّغة العربيّة تعليمًا إضافيًّا، بينما تكتظّ المناطق بمراكز التعليم الخصوصيّ للموادّ العلميّة.

        أضف إلى ذلك عزوف الطالب عن المطالعة، وهي الأساس في تنمية الملكة اللغويّة والتعبيريّة، وإثرائها عنده. وتتفاقم هذه المشكلة مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعيّ (الفيسبوك – الواتساب – التويتر وغيرها...) والتي أثّرت سلبًا في اللّغة العربيّة، باعتماد الكتابة بالعاميّة، أو بالحروف الأجنبيّة، أو بالرموز المتعارف على تسميتها بـ"لغة الإنترنت"، ما أضعف قدرة الطالب على التعبير باللّغة الفصيحة؛ كما أثَّرت في المطالعة، إذ يستسهل الطالب البحث السريع من دون القراءة المتأنّية، لا بل تطوّر الأمر إلى أخطر من ذلك بكثير؛ فبدل أن تكون تلك المواقع بابًا للبحث والاطّلاع المعرفيّ، صارت وسيلة للّهو والتسلية والتعارف.. ونادرًا ما نشاهد طالبًا يرتاد المكتبات، أو يحتضن كتابًا؛ بينما نراه معانقًا هاتفًا، أو مشغوف الفؤاد بآلة يلعب بها، أو مسلوب العقل أمام جهاز الكمبيوتر، أو شاخصًا أمام إحدى المحطّات يتابع مسلسلًا مكسيكيًّا أو تركيًّا... وما هذا سوى غيض من فيضٍ، الأمر الذي أدّى إلى هدم جسور التواصل مع لغته الأمّ، إن لم نقل هدم جسور التواصل مع قيمه ومبادئه وثقافته.

        وأمّا بالنسبة إلى المسابقة، فلعلّ مسابقة الشهادة المتوسّطة العاديّة، للعام 2013، تمثّل نموذجًا واضحًا للخَلَل المتعلّق بالمسابقات الرسميّة، ونكتفي هنا بالإشارة إلى نقطتين:

        الأولى: الرتابة والنمطيّة، بحيث لا تستفزّ ذكاء الطالب، ولا تتفتّق معها قدراته التعبيريّة، وبالتالي يفقد الدافع بالرغم من بساطة المسابقة.

        الثانية: كثرة الأسئلة، إذ تتضمّن المسابقة اثني عشر سؤالاً في التحليل، وتفريع بعضها (الثاني، والخامس، والتاسع، والحادي عشر) إضافة إلى التعبير الكتابيّ. وتجدر الإشارة إلى أنّ الإجابة عن هذه الأسئلة تستغرق وقتًا لا يُستهان به، وكان الواجب أن تعطى وقتًا أطول أو أن يُقلَّل عدد الأسئلة.

        وكذلك في التقييم، ولا نعني هنا تقييم المصحّحين للمسابقات، ولا أسس التصحيح، وإنّما نكتفي بالإشارة إلى الاختلاف في التقييم بين المدرسة والشهادة الرسميّة، ففي المدرسة ثَمّة تقييم للتواصل الشفهيّ، ويشكّل نسبة أربعين في المئة من العلامة، بينما يُعطى التقييم الكتابيّ نسبة ستّين في المئة؛ أمّا في الشهادة الرسميّة فالتقييم كتابيّ صرف.

توصيات ومقترحات:

        انطلاقاً ممّا تقدّم، وسعيًا لإصلاح الخلل، أقترح، في الختام، بعض التوصيات:

  •  أن يعاد النظر في منهج مادّة اللّغة العربيّة، فتعود إليها الحياة، وذلك بأن ترجع المادّة أدبيّة بكلّ ما في الكلمة من معنى (وبخاصّة في المرحلة الثانويّة) يتذوّق فيها الطالب الأدب شعرًا ونثرًا؛ أمّا التذرّع بأنّ هناك فروعًا علميّة، فهذا يُراعى في العلامة لا في الإساءة إلى المادّة واللّغة.
  •  أن يحرص "المعرّبون" على استخدام اللّغة الفصيحة في أثناء حصص التدّريس، وكذلك أساتذة الاجتماعيّات، فيستأنس الطالب بلغته، ويصبح قادرًا على التعبير الشفهيّ السليم بطلاقة؛ كما أنّ عليهم أن يطوّروا أنفسهم في مجال اختصاصهم، والاطّلاع على كلّ جديد مفيد، إضافة إلى ضرورة مشاركتهم في جلسات أسس التصحيح، ويستحسن أن يشاركوا في عمليّة التصحيح، ولو بعدد قليل من المسابقات، لكي يكونوا على بيّنة من الأمر.
  •  أن تكون المسابقة أكثر دقّة، شكلًا (النسق الطباعيّ)، ومضمونًا (من حيث طبيعة الأسئلة والوقت المحدّد لها)، بما يتلاءم مع قدرات الطالب.
  •  أن يقتصر التقييم المدرسيّ، في اللّغة العربيّة، على التواصل الكتابيّ في صفوف الشهادات استثنائيًّا.
  •  أن نعزّز الاهتمام باللّغة العربيّة، ونرغّب الطلّاب فيها بأنشطة لاصفّيّة (سوق عكاظ، إجراء مباريات في كتابة قصّة، أو ترجمة كتاب، أو تعبير كتابيّ، أو إلقاء، أو عمل مسرحيّ...)