المقالة والأقصوصة فنّان تلاقيا فأنجبا

دراسـة في ســــطور تتناول ولادة المقالــة القصصيّـة في الأدب العـربيّ نتيجـــة تلاقــي فَنَّي القول والقصّ عند رائــدٍ من روّاد المقالـــة عندنا الأديب الناقـد: عمــــر فاخوري.

-1-       قد يُخَيّل إلى القارئ أنّ في هذا العنوان مجازًا لا يخلو من مبالَغة في الحُكم، أَو من جنوحٍ في التصّور. وقد ينسحب هذا المتخيّل بوجهه السَّلبي على المقالة المدرجة تحت هذا العنوان؛ ما دمنا نأخذُ بالقول المتواتَر: "الكتاب يُقْرأ من عنوانه". فيكون العنوان، والحالة هذه، مُضِلاًّ القرّاءَ أو مباعدَهم، أو في الأقلّ مُوقعهم في ضبابيَّة مربكة! والمطلوب منه إنّما هو الجذب والكشف والجلاء، لا الإرباك أو التنفير.

غير أنّ المتأمّل قد يرى فيه، غير هذا الذي قد يُخيَّلُ إلى القارئ؛ فكلّ المفردات الداخلة في التركيب إنّما هي مستخدمة استخدامًا حقيقيًّا لا مَجَاز فيه، وإنْ كانت الأشغولة التي يومئ إليها غير مألوفة الحدوث، وهي لا تسلّمك نفسها إلاّ بعد تأمُّلٍ واجتهاد.

فالفنون، كما الأَناسيُّ وكما كلّ الأحياءِ، تتحابُّ، وتشتاق، وتتلاقى وتنجب، وتأتي بأطيب الثمار، تحمل من الملامح والسمات ما يُنميها إلى الجذور التي منها انبثقت، كما تحمل، نتيجة هذا التزاوج الوَلُود، أَنْساغًا ما كنّا رأيناها في أيٍّ من الأَبوين المتزاوجين. والأمثلة كثيرة في تراثنا، نذكر: أدَب المناظرات، المثل الخُرافي، الموشّحات، الشِّعرَ المرسل، قصيدةَ النثر، وهي كلّها ثمار مثل هذا التلاقي كما المقالة القصصيّة ثمرة التلاقي بين فنّ القول وفنّ القصّ. ونحن الآن في صدد مقاربتها، للتعرف إلى مكوّناتها والملامح التي تُنميها، وإلى الأنساغ الجديدة المتهادية في عروقها والتي فيها من القصّ ما أكسب المقالة هذه الجاذبيّة.

والأهداف التي نسعى إلى بلوغها، هي:

1- التأكيد على امّحاء الفواصل والتخوم التي كان السَّلف قد أقامها بين فنّ من الفنون الجميلة وآخر، وقد أخذنا بها ردحًا من الزمن، ولم يكن أحد منّا يجرؤ على تخطّيها. وما هي في حقيقتها سوى حدود متوهّمة، لا تتجاوز الشكل إلى المضمون! حتّى في الدّائرتين الكبيرين للإبداع الأدبي، الشعر والنثر، ناهيك بالدوائر الصغرى المتفرّعة من كلّ منهما. فهل مَنْ يستطيع اليوم أن يدلّني على الحدّ الفاصل بين الشعر والنثر؟ أم هل مَنْ يستطيع أن يباعد في القصّة، وهي أكثر الفنون إلتزامًا بالواقع، بين الشعريّ والسرديّ؟!

2- الإلماح إلى أنّ الفنون والأشكال الأدبيّة تتجاذب فتتلاقى في تآلف وانسجام، فتنجب مولودات جديدة، تتماوج في عروقها روح الأصالة متألّقة بأوشحة الحداثة الدافقةِ ماويّةً وإشراقًا وهي آخذة طريقها إلى القلوب والأذهان.

3- التذكير بأن ازدهار هذين الفنَّين النثريَّين، المقالة والقصّة القصيرة / الأقصوصة، رافق ازدهار الصّحافة المكتوبة، التي رعته، وشقّت لهذين الفنَّين الطريق إلى قلوب القرّاء، وذلك لقدرة صفحاتها على استيعاب كلّ منهما، لاعتدال حجميهما، ولتلاؤم بنية كلّ منهما مع ما تقتضيه مماشاة الحياة المتسارعة الخطى.

ولم يقتصر دَوْر الصحافة على الترويج فحسب، إنما نلمس آثاره في أبعد من ذلك؛ في طبع الأساليب النثريّة، في مجملها، بطابع الأسلوب المقالي بُنْيةً، وصَوْغَ عبارة، فقلَّما نجد فنًّا نثريًّا، إلاّ وفيه من المقالة وأسلوبها ملامح واضحة، بدءًا بالخاطرة، وانتهاءً بالدراسات والأبحاث، والأطاريح الجامعيّة. الأمر الذي يجعلنا نتنشّقُ عبيرَ المقالة في معظم ما نقرأ ونطالع من آثار نثريّة، والذي يجعل مقاربتنا المقالة وتعرّفنا إليها، فنًّا وتاريخًا، ضرورة لتعرّف هويّة الحركة الإبداعيّة النثريّة وتبيّن ملامحها المميّزة.

4- التأكيد على أنّ التمرّس بالمقالة قراءة، وتحليلاً، واكتشاف معالم، هو على أهميّته، نصف الطريق، وليس الطريق كاملة؛ فلن نبلغ الغاية إلاّ بالتمرّس بها كتابةً ومحاكاةً، أو في الأقلّ بتبنّي أسلوبها في ما يصدر عنّا من أعمال أدبيّة، متوخّين بذلك صقل أساليبنا، وتخليص كتابتنا من آفات الرطانة والعُجْمَة، ناهيك بما تطالعنا به لغة "الإنترنت" من مَساخِرِ التشويه والتهجين.

وتحقيقًا لهذه الأهداف، سنقف على مقالة قصصيّة لواحد من روّادها المشاهير، الناقد الأديب عمر فاخوري (1895-1946)(1) وهي بعنوان "سمك البلشفيك" أو زريق السماك، والتي تزاوج فيها هذان الفنّان فأنجبا خير ثمار.

          ولِلقَصِّ جاذبيّةٌ، استمالت الأفئدة واستهوت الألباب منذ طفولة البشريّة حتى يومِنا هذا. وقد توسَّلها الإنسان منذ القِدم في التأثير في نفوسِ الآخرين واجتذابهم إليه. حتّى الكُتُب السَّماويّة اتخذت من بَعْضِ القصص سبيلاً إلى هداية الناس وانتشالِهم من تحجّر الوثنيّة إلى رحاب الوَحْدانيّة وسماحَةِ التوحيد.

          ومازالت صورة الجَدّاتِ يتحلّق حولَهن الصِّغار تخطر في البال باعثةً في نفوسنا أَريجًا طيّبًا أينَ مِنه ما تطالعنا بهِ الوسائل التكنولوجيّةُ اليوم من عروضٍ سُرعانَ ما تنقضي مخلِّفةً وراءَها كثيراً ممّا لا خيرَ فيه.

          وقد مال المبدعون من أُدبائنا إلى سِحر القصّ وجاذبيّته يضيفون به إلى سحر إبداعهم، شعراً تجلّى أمْ نثرًا، سحرًا جديدًا. فكان أن برزت الملامح القَصَصيَّة تلوّن إبداع شعرائنا بألوانها الساحرة تفتن بها الأذواق والقلوب.

-2- عمر فاخوري والقصّ

          عمر ناقدٌ نظريٌّ/تطبيقيٌّ، واقعيُّ المذهب، أرستقراطيُّ العبارة، شعبيُّ الهموم، حرُّ التطلُّعات. كانت له مع القصّة جولات كشفت عن معرفته العميقة الدقيقة بأصول هذا الفنّ، فأقدم على ولوج أقداسها بعد تهيّبٍ واستعداد، ولم يأتها مرتجلاً فتردّهُ خائبًا. وشَّح أدبه بوشاح القصّة، سردًا، وواقعيّة أحداث، وواقعيّة لغةٍ وشخصيّات.فَوُفِّقَ في خلق المناخ القصصيّ يحملنا إليه ثم يمضي وكأنّه لا يكتب قصّة، وهنا سرّ العبقريّة في كلّ إبداع.

          فالقصّ عند عمر، كاللاّزمة، لازمت أَدبه. كما لازم الوصف شعر ابن الرومي، على اختلاف أغراضه. فعمر إن كتب مقالة اجتماعيَّة أو نقديَّة داخلها القصّ، وإن ألقى كلمة في محفل نحا فيها نحو القصّ، وإن حكى لنا حكاية "حنّا الميت" الماشي في جنازة نفسه: ابتدع قصّة حارَ معها مصنّفو الأدب ودارسوه، أهي قصّة، أم رواية أنجز منها فصلَيْن ثم عاجله القدر فلم ينجزها كاملة. حتى إنّ بعض من درس المقالة النقديّة عند عمر انتهى، مبالغًا، إلى القول:« كتب عمر في نقده قصة فنيّة ذاتيّة ولم يكتب نقدًا موضوعيًّا، وكأنَّ عمرالناقد يغلّف مِطْرقته بالقطن فيضربُ ولا يؤذي، ويبدأ بنفسه قبل غيره»(2).

          والفاخوري في مقالته القصصيّة يوازن بين القصّ والكتابة المقاليّة، فيخرجُ بأسلوب جديد تمتزج فيه القصّة بالمقالة. ولم يكن هذا الأسلوب أسلوب بحث مقاليّ، كما لم يكن أسلوب قصّة، إنّما كان هذا وذاك في وقتٍ معًا! فيه من القصّة حيويّتها وجمالُها وجاذبيّتها وسحرُها، ومن الحياة مرارة وخبرة، ومنَ الفكر شراراتٌ مُضيئةٌ تَهْدي السالكين سواءَ السبيل.

          وإذا كان الفاخوري قد أحسن التوازن بين هذين الفنّين فلأنّه في الأساس أَديبٌ قصّاص. نشهد له براعته في "كنوز الفقراء" و "ابن الجيران يأخذ الشهادة" و "حنّا الميت"، بالمكانة التي احتلّها في عالم القصّة القائمة على تصوير الحياة بواقعيّة فنيّة، وعلى التغلغل في أعماق النفس البشريّة مستجليًا همومها ورغباتها، ونزوعها إلى خلق واقع متخيَّلٍ جديد، والصراعَ الذي لا ينتهي، بين ما هو كائن وما يلذّ لها أن يكون... واللاّفت أن الخطّ الذي تسلكه الأحداث في تناميها لم يعد مع عمر أفقيًّا كما كنّا ألفناه مع سواه، بل استوى عموديًّا باحثًا عن ضالّته في الأعماق.

وهذا ما أفاد منه في كتابته المقالة الاجتماعيّة والسياسيّة والنقديّة الأدبيّة، فمضى بعموديَّةٍ أَثْرَت كتاباته وأَكسبتها هذا الزخم، وفتحت لها الطريق إلى قلوب القرّاء وعقولهم تسلكها مزدانة برشاقة الحركة القصصيّة وجاذبيّة ملامحها، زادتهما سُخْرية عمر الهادفة، وفكاهته الرصينة، وأسلوب عمر الرشيق، الأنيق، أَلَقًا وسحرًا وجمالاً.

يقول نعَيمة: "أسلوب عمر أسلوب المحدّث اللّبق، يمتلك عليك انتباهك ومشاعرك. وأنت إذ تفتّش عن السرّ في ذلك، لا تدري، أهو في عبارته المحبوكة حَبْكَ الزَّردِ وهي إلى ذلك أنعم من الحرير... أم هو في السخرية العفويّة التي تجعل الفكر ينتفض والقلب يضاعف نَبْضَه... أم هو في جمال الرسوم والتماثيل الكلاميَّة يعرضها عليك عمر بتواضع الفنّان الواثق من فَنِّه، وبسخاءِ الثريِّ الذي لا يخشى على ثروته النفاد". (3).

          ويقول الشيخ حسين مروّة مثنيًا على توجّه الفاخوري بأدبه إلى السوق يعالج مشكلات الناس وقضاياهم:(4)

          "الأدب والفنّ مخلوقان اجتماعيّان يموتان موتًا طبيعيًّا أو ينتحران إذا عُزلا، أو عَزَلا نفسيهما عن ينابيع الحياة والحركة والنموّ والتجدّد في قلب المجتمع"

          وخير مثال يمكن أن نحتكم إليه لنتبيّن قصصيّة المقالة عند عمر وما أضفاه القصُّ على أدبه بعامّة والمقالة عنده بخاصّة، هو حكاية السّمك البولشفيك، أو زريق السمّاك أستاذ مدرسة الصبر الابتدائيّة التي تتلمذ فيها عمر وفيها تخرّج.

-3- السّمك البولشفيك / زريق السمّاك(5)

في الثامنِ عَشَر من شباط عام ألفٍ وتسعمئة وثلاثةٍ وأربعين، تُحْيي "جمعية أصدقاء الاتّحاد السوفياتي"وكان عمر عميدًا لها، لقاءً ثقافيًّا جماعيًّا، ألقى فيه عمر هذه الكلمة، والتي تصدّرت فيما بعد كتيّبًا نشر بعنوان: "الإتحاد السوفياتي حجر الزاوية".

          يستهلُّ عمر كلمته/ المحاضرة، بتمهيد رشيق يُلمح إلى نوعٍ من السّمك عرفه الساحل اللبناني، ليس كالسمك الأرستقراطي، الفرّيدي، أو السلطان، قيمة ومذاقًا، ولكنه ليس برديء. غاية ما يؤخذ عليه أنه غير أرستقراطي...

          ثم يخلص إلى ما يمكن أن نعتبره مقدّمة أو تمهيدًا ثانيًا، يرسم فيه شخصيّة زريق السمّاك. بطل حكايته. رسمًا دقيقًا مشوّقًا. قد تبدو هذه المقدّمة الثانية، لأوّل وهلة أن لا صلة لها بما تقدّم أو بما سيليها، ولكن عبقريّة عمر وصحبته الطويلة للمتنبّي، جعلتاه خبيرًا في إشراك القارئ في تأليف ما يؤلّف، وفي الرّبط بين ما قد يبدو غير مترابط.

          يتابع عمر في إعداد القارئ لما سيقرأ. فيقول ناقلاً عن والده رحمه الله، بأنّ للصبر العمليّ مدرستين، عُليا؛ وهي دكّان الحلاّق في الصيف... وابتدائيّة، وهي صيد السّمك بالصنّارة في أحد أيام النحس. وأنَّ والده، ليعلِّمه الصبر، كان يأذن له بمرافقة جارهم الصيّاد، إلى مقرّ عمله. صخرةٍ عند مدخل الميناء القديم... "كنت أجلس ثمّة ساعات طوالاً كالصّنم... وكان صاحبي لا ينبس ببنت شفة... ما خلا كلمات غير نظيفة كان يرسلها كلّما أكلت سَمَكة خبيثةٌ الطُّعْمَ، وأَلْحقت بصنّارته إهانة من ذلك النوع الذي لا يغسل عاره إلا الخِضمُّ الفسيح"!

وكم كان صاحبه الصيّاد يضيق به ذرعًا، فيتمَلْمل، ثم يحاول إغراءَه بترك صحبته والعودة إلى البيت قائلا": ألم تشتق إلى أمك؟... ولكنّ عمر كان يثأر لنفسه من تبرّم صاحبه به بأن كان يسمّيه "زريق السمّاك" كما كان يطيب لأبي عمر أن يدعوه متهكمًا.

          وتمضي الأيَّام، ويستشري العمران، وينتقل زريق من صخرة على الساحل إلى صخرة حتى يصل عين المريسة، ويلتقيه عمر من جديد، ومن غير تبرّم، يقول له زريق: "والآن ماذا تريد مني؟"

فيجيبه عمر:« هذه المرّة لن أنصرف قبل أن تحكيَ لي حكاية البلشفيك». فيقول زريق: «أه، تعني السّمك. حكاية قديمة حقًّا... وما يهمُّك منها؟»

          ويقصّ زريق على عمر قصّة هذا السّمك غير الأرستقراطي وخلاصتها: أنّ البحر في الحرب العظمى الماضية كان مقفلاً لا يأتي منه شيءٌ لكنْ تناهى إلى الصيّادين وحدهم أنّ قومًا يدعون بالبلشفيك، ثاروا على السلطان، وأخلّوا بالنظام فأُغْرِقوا بالبحر الأسود.. ولم يكن يجرؤ مخلوقٌ عَهْدَئذٍ على ذكر اسمهم... لكن في تلك المدّة ظهر عند هذا الساحل صنف من السمك لا نعرفه، سمك غريب، وقد سميّناه البلشفيك، كي نفشي السّر. وقبل أن يهمّ عمر بالانصراف يقول زريق راجيًا: «لكن اعلم أني رجل بسيط، لا أشتغل بالسياسة، فلا تورطني» فيقول عمر: «ومَن يشتغل بالسّياسة في هذا البلد؟»

          ثم ينتهي عمر، رابطًا بين التمهيدين، والحكاية، والغاية التي من أجلها وقف في الجمهور راوية، وخطيبًا وباحثًا سياسيًا، إلى القول: « وأحسب أنّ معرفتنا بالإتحاد السوفياتي تزيد الآن، بعض الشيء عن معرفة الصيّاد/الأسطورة، بجماعة البلشفيك، الذين ثاروا على السلطان وأخلّوا بالنظام، بل تجاوزنا طَوْرَ المعرفة إلى طور الصداقة».

          أمّا وقد اطّلعنا، ولو قفزًا، على حكاية زريق السمّاك و السمك البلشفيك، فقد بات بإمكاننا تَبَيُّنُ عبقريّة عمر الفاخوري في إِحكامه التزاوجَ بين القصّة والمقاله، وفي عفويّة هذا الدمج بين الفنَّيْن، فبِتنا لا ندري، ونحن بين يديه، أنقرأ قصّة أم نقرأ مقالة أم نستمع إليه في خطبة يلقيها!

          وكم أتمنّى أن يقرأ كلٌّ منّا القصّة "قصّة زريق السمّاك" كاملة في "الإتحاد السوفياتي حجر الزاوية" لتشاركوني المتعة والدهشة، ولتصدّقوني في ما قدّمت، وفي أن للقصّ كيمياءَ عجيبةً.      


المصادر والمراجع:       

  1. طالع ترجمته في : "المقالة فنّ وتاريخ ومختارات"، أسعد نصرالله السكاف، دار نظير عبود، ط1، 1995، ص: 236
  2. وداد سكاكين، عمر فاخوري أديب الإبداع والجماهير، القاهرة، 1970، ص. 9
  3. مجلّة الطريق، ع: 4 و 5، 1950، ص. 7 – 8
  4. حسين مروّة، مجلّة الطريق، ع: 5 و 6، 1966، ص. 56
  5. طالع القصّة/المقالة في: "المقالة فنّ وتاريخ ومختارات" مرجع سابق، ص: 232 - 235

المقالة والأقصوصة فنّان تلاقيا فأنجبا

دراسـة في ســــطور تتناول ولادة المقالــة القصصيّـة في الأدب العـربيّ نتيجـــة تلاقــي فَنَّي القول والقصّ عند رائــدٍ من روّاد المقالـــة عندنا الأديب الناقـد: عمــــر فاخوري.

-1-       قد يُخَيّل إلى القارئ أنّ في هذا العنوان مجازًا لا يخلو من مبالَغة في الحُكم، أَو من جنوحٍ في التصّور. وقد ينسحب هذا المتخيّل بوجهه السَّلبي على المقالة المدرجة تحت هذا العنوان؛ ما دمنا نأخذُ بالقول المتواتَر: "الكتاب يُقْرأ من عنوانه". فيكون العنوان، والحالة هذه، مُضِلاًّ القرّاءَ أو مباعدَهم، أو في الأقلّ مُوقعهم في ضبابيَّة مربكة! والمطلوب منه إنّما هو الجذب والكشف والجلاء، لا الإرباك أو التنفير.

غير أنّ المتأمّل قد يرى فيه، غير هذا الذي قد يُخيَّلُ إلى القارئ؛ فكلّ المفردات الداخلة في التركيب إنّما هي مستخدمة استخدامًا حقيقيًّا لا مَجَاز فيه، وإنْ كانت الأشغولة التي يومئ إليها غير مألوفة الحدوث، وهي لا تسلّمك نفسها إلاّ بعد تأمُّلٍ واجتهاد.

فالفنون، كما الأَناسيُّ وكما كلّ الأحياءِ، تتحابُّ، وتشتاق، وتتلاقى وتنجب، وتأتي بأطيب الثمار، تحمل من الملامح والسمات ما يُنميها إلى الجذور التي منها انبثقت، كما تحمل، نتيجة هذا التزاوج الوَلُود، أَنْساغًا ما كنّا رأيناها في أيٍّ من الأَبوين المتزاوجين. والأمثلة كثيرة في تراثنا، نذكر: أدَب المناظرات، المثل الخُرافي، الموشّحات، الشِّعرَ المرسل، قصيدةَ النثر، وهي كلّها ثمار مثل هذا التلاقي كما المقالة القصصيّة ثمرة التلاقي بين فنّ القول وفنّ القصّ. ونحن الآن في صدد مقاربتها، للتعرف إلى مكوّناتها والملامح التي تُنميها، وإلى الأنساغ الجديدة المتهادية في عروقها والتي فيها من القصّ ما أكسب المقالة هذه الجاذبيّة.

والأهداف التي نسعى إلى بلوغها، هي:

1- التأكيد على امّحاء الفواصل والتخوم التي كان السَّلف قد أقامها بين فنّ من الفنون الجميلة وآخر، وقد أخذنا بها ردحًا من الزمن، ولم يكن أحد منّا يجرؤ على تخطّيها. وما هي في حقيقتها سوى حدود متوهّمة، لا تتجاوز الشكل إلى المضمون! حتّى في الدّائرتين الكبيرين للإبداع الأدبي، الشعر والنثر، ناهيك بالدوائر الصغرى المتفرّعة من كلّ منهما. فهل مَنْ يستطيع اليوم أن يدلّني على الحدّ الفاصل بين الشعر والنثر؟ أم هل مَنْ يستطيع أن يباعد في القصّة، وهي أكثر الفنون إلتزامًا بالواقع، بين الشعريّ والسرديّ؟!

2- الإلماح إلى أنّ الفنون والأشكال الأدبيّة تتجاذب فتتلاقى في تآلف وانسجام، فتنجب مولودات جديدة، تتماوج في عروقها روح الأصالة متألّقة بأوشحة الحداثة الدافقةِ ماويّةً وإشراقًا وهي آخذة طريقها إلى القلوب والأذهان.

3- التذكير بأن ازدهار هذين الفنَّين النثريَّين، المقالة والقصّة القصيرة / الأقصوصة، رافق ازدهار الصّحافة المكتوبة، التي رعته، وشقّت لهذين الفنَّين الطريق إلى قلوب القرّاء، وذلك لقدرة صفحاتها على استيعاب كلّ منهما، لاعتدال حجميهما، ولتلاؤم بنية كلّ منهما مع ما تقتضيه مماشاة الحياة المتسارعة الخطى.

ولم يقتصر دَوْر الصحافة على الترويج فحسب، إنما نلمس آثاره في أبعد من ذلك؛ في طبع الأساليب النثريّة، في مجملها، بطابع الأسلوب المقالي بُنْيةً، وصَوْغَ عبارة، فقلَّما نجد فنًّا نثريًّا، إلاّ وفيه من المقالة وأسلوبها ملامح واضحة، بدءًا بالخاطرة، وانتهاءً بالدراسات والأبحاث، والأطاريح الجامعيّة. الأمر الذي يجعلنا نتنشّقُ عبيرَ المقالة في معظم ما نقرأ ونطالع من آثار نثريّة، والذي يجعل مقاربتنا المقالة وتعرّفنا إليها، فنًّا وتاريخًا، ضرورة لتعرّف هويّة الحركة الإبداعيّة النثريّة وتبيّن ملامحها المميّزة.

4- التأكيد على أنّ التمرّس بالمقالة قراءة، وتحليلاً، واكتشاف معالم، هو على أهميّته، نصف الطريق، وليس الطريق كاملة؛ فلن نبلغ الغاية إلاّ بالتمرّس بها كتابةً ومحاكاةً، أو في الأقلّ بتبنّي أسلوبها في ما يصدر عنّا من أعمال أدبيّة، متوخّين بذلك صقل أساليبنا، وتخليص كتابتنا من آفات الرطانة والعُجْمَة، ناهيك بما تطالعنا به لغة "الإنترنت" من مَساخِرِ التشويه والتهجين.

وتحقيقًا لهذه الأهداف، سنقف على مقالة قصصيّة لواحد من روّادها المشاهير، الناقد الأديب عمر فاخوري (1895-1946)(1) وهي بعنوان "سمك البلشفيك" أو زريق السماك، والتي تزاوج فيها هذان الفنّان فأنجبا خير ثمار.

          ولِلقَصِّ جاذبيّةٌ، استمالت الأفئدة واستهوت الألباب منذ طفولة البشريّة حتى يومِنا هذا. وقد توسَّلها الإنسان منذ القِدم في التأثير في نفوسِ الآخرين واجتذابهم إليه. حتّى الكُتُب السَّماويّة اتخذت من بَعْضِ القصص سبيلاً إلى هداية الناس وانتشالِهم من تحجّر الوثنيّة إلى رحاب الوَحْدانيّة وسماحَةِ التوحيد.

          ومازالت صورة الجَدّاتِ يتحلّق حولَهن الصِّغار تخطر في البال باعثةً في نفوسنا أَريجًا طيّبًا أينَ مِنه ما تطالعنا بهِ الوسائل التكنولوجيّةُ اليوم من عروضٍ سُرعانَ ما تنقضي مخلِّفةً وراءَها كثيراً ممّا لا خيرَ فيه.

          وقد مال المبدعون من أُدبائنا إلى سِحر القصّ وجاذبيّته يضيفون به إلى سحر إبداعهم، شعراً تجلّى أمْ نثرًا، سحرًا جديدًا. فكان أن برزت الملامح القَصَصيَّة تلوّن إبداع شعرائنا بألوانها الساحرة تفتن بها الأذواق والقلوب.

-2- عمر فاخوري والقصّ

          عمر ناقدٌ نظريٌّ/تطبيقيٌّ، واقعيُّ المذهب، أرستقراطيُّ العبارة، شعبيُّ الهموم، حرُّ التطلُّعات. كانت له مع القصّة جولات كشفت عن معرفته العميقة الدقيقة بأصول هذا الفنّ، فأقدم على ولوج أقداسها بعد تهيّبٍ واستعداد، ولم يأتها مرتجلاً فتردّهُ خائبًا. وشَّح أدبه بوشاح القصّة، سردًا، وواقعيّة أحداث، وواقعيّة لغةٍ وشخصيّات.فَوُفِّقَ في خلق المناخ القصصيّ يحملنا إليه ثم يمضي وكأنّه لا يكتب قصّة، وهنا سرّ العبقريّة في كلّ إبداع.

          فالقصّ عند عمر، كاللاّزمة، لازمت أَدبه. كما لازم الوصف شعر ابن الرومي، على اختلاف أغراضه. فعمر إن كتب مقالة اجتماعيَّة أو نقديَّة داخلها القصّ، وإن ألقى كلمة في محفل نحا فيها نحو القصّ، وإن حكى لنا حكاية "حنّا الميت" الماشي في جنازة نفسه: ابتدع قصّة حارَ معها مصنّفو الأدب ودارسوه، أهي قصّة، أم رواية أنجز منها فصلَيْن ثم عاجله القدر فلم ينجزها كاملة. حتى إنّ بعض من درس المقالة النقديّة عند عمر انتهى، مبالغًا، إلى القول:« كتب عمر في نقده قصة فنيّة ذاتيّة ولم يكتب نقدًا موضوعيًّا، وكأنَّ عمرالناقد يغلّف مِطْرقته بالقطن فيضربُ ولا يؤذي، ويبدأ بنفسه قبل غيره»(2).

          والفاخوري في مقالته القصصيّة يوازن بين القصّ والكتابة المقاليّة، فيخرجُ بأسلوب جديد تمتزج فيه القصّة بالمقالة. ولم يكن هذا الأسلوب أسلوب بحث مقاليّ، كما لم يكن أسلوب قصّة، إنّما كان هذا وذاك في وقتٍ معًا! فيه من القصّة حيويّتها وجمالُها وجاذبيّتها وسحرُها، ومن الحياة مرارة وخبرة، ومنَ الفكر شراراتٌ مُضيئةٌ تَهْدي السالكين سواءَ السبيل.

          وإذا كان الفاخوري قد أحسن التوازن بين هذين الفنّين فلأنّه في الأساس أَديبٌ قصّاص. نشهد له براعته في "كنوز الفقراء" و "ابن الجيران يأخذ الشهادة" و "حنّا الميت"، بالمكانة التي احتلّها في عالم القصّة القائمة على تصوير الحياة بواقعيّة فنيّة، وعلى التغلغل في أعماق النفس البشريّة مستجليًا همومها ورغباتها، ونزوعها إلى خلق واقع متخيَّلٍ جديد، والصراعَ الذي لا ينتهي، بين ما هو كائن وما يلذّ لها أن يكون... واللاّفت أن الخطّ الذي تسلكه الأحداث في تناميها لم يعد مع عمر أفقيًّا كما كنّا ألفناه مع سواه، بل استوى عموديًّا باحثًا عن ضالّته في الأعماق.

وهذا ما أفاد منه في كتابته المقالة الاجتماعيّة والسياسيّة والنقديّة الأدبيّة، فمضى بعموديَّةٍ أَثْرَت كتاباته وأَكسبتها هذا الزخم، وفتحت لها الطريق إلى قلوب القرّاء وعقولهم تسلكها مزدانة برشاقة الحركة القصصيّة وجاذبيّة ملامحها، زادتهما سُخْرية عمر الهادفة، وفكاهته الرصينة، وأسلوب عمر الرشيق، الأنيق، أَلَقًا وسحرًا وجمالاً.

يقول نعَيمة: "أسلوب عمر أسلوب المحدّث اللّبق، يمتلك عليك انتباهك ومشاعرك. وأنت إذ تفتّش عن السرّ في ذلك، لا تدري، أهو في عبارته المحبوكة حَبْكَ الزَّردِ وهي إلى ذلك أنعم من الحرير... أم هو في السخرية العفويّة التي تجعل الفكر ينتفض والقلب يضاعف نَبْضَه... أم هو في جمال الرسوم والتماثيل الكلاميَّة يعرضها عليك عمر بتواضع الفنّان الواثق من فَنِّه، وبسخاءِ الثريِّ الذي لا يخشى على ثروته النفاد". (3).

          ويقول الشيخ حسين مروّة مثنيًا على توجّه الفاخوري بأدبه إلى السوق يعالج مشكلات الناس وقضاياهم:(4)

          "الأدب والفنّ مخلوقان اجتماعيّان يموتان موتًا طبيعيًّا أو ينتحران إذا عُزلا، أو عَزَلا نفسيهما عن ينابيع الحياة والحركة والنموّ والتجدّد في قلب المجتمع"

          وخير مثال يمكن أن نحتكم إليه لنتبيّن قصصيّة المقالة عند عمر وما أضفاه القصُّ على أدبه بعامّة والمقالة عنده بخاصّة، هو حكاية السّمك البولشفيك، أو زريق السمّاك أستاذ مدرسة الصبر الابتدائيّة التي تتلمذ فيها عمر وفيها تخرّج.

-3- السّمك البولشفيك / زريق السمّاك(5)

في الثامنِ عَشَر من شباط عام ألفٍ وتسعمئة وثلاثةٍ وأربعين، تُحْيي "جمعية أصدقاء الاتّحاد السوفياتي"وكان عمر عميدًا لها، لقاءً ثقافيًّا جماعيًّا، ألقى فيه عمر هذه الكلمة، والتي تصدّرت فيما بعد كتيّبًا نشر بعنوان: "الإتحاد السوفياتي حجر الزاوية".

          يستهلُّ عمر كلمته/ المحاضرة، بتمهيد رشيق يُلمح إلى نوعٍ من السّمك عرفه الساحل اللبناني، ليس كالسمك الأرستقراطي، الفرّيدي، أو السلطان، قيمة ومذاقًا، ولكنه ليس برديء. غاية ما يؤخذ عليه أنه غير أرستقراطي...

          ثم يخلص إلى ما يمكن أن نعتبره مقدّمة أو تمهيدًا ثانيًا، يرسم فيه شخصيّة زريق السمّاك. بطل حكايته. رسمًا دقيقًا مشوّقًا. قد تبدو هذه المقدّمة الثانية، لأوّل وهلة أن لا صلة لها بما تقدّم أو بما سيليها، ولكن عبقريّة عمر وصحبته الطويلة للمتنبّي، جعلتاه خبيرًا في إشراك القارئ في تأليف ما يؤلّف، وفي الرّبط بين ما قد يبدو غير مترابط.

          يتابع عمر في إعداد القارئ لما سيقرأ. فيقول ناقلاً عن والده رحمه الله، بأنّ للصبر العمليّ مدرستين، عُليا؛ وهي دكّان الحلاّق في الصيف... وابتدائيّة، وهي صيد السّمك بالصنّارة في أحد أيام النحس. وأنَّ والده، ليعلِّمه الصبر، كان يأذن له بمرافقة جارهم الصيّاد، إلى مقرّ عمله. صخرةٍ عند مدخل الميناء القديم... "كنت أجلس ثمّة ساعات طوالاً كالصّنم... وكان صاحبي لا ينبس ببنت شفة... ما خلا كلمات غير نظيفة كان يرسلها كلّما أكلت سَمَكة خبيثةٌ الطُّعْمَ، وأَلْحقت بصنّارته إهانة من ذلك النوع الذي لا يغسل عاره إلا الخِضمُّ الفسيح"!

وكم كان صاحبه الصيّاد يضيق به ذرعًا، فيتمَلْمل، ثم يحاول إغراءَه بترك صحبته والعودة إلى البيت قائلا": ألم تشتق إلى أمك؟... ولكنّ عمر كان يثأر لنفسه من تبرّم صاحبه به بأن كان يسمّيه "زريق السمّاك" كما كان يطيب لأبي عمر أن يدعوه متهكمًا.

          وتمضي الأيَّام، ويستشري العمران، وينتقل زريق من صخرة على الساحل إلى صخرة حتى يصل عين المريسة، ويلتقيه عمر من جديد، ومن غير تبرّم، يقول له زريق: "والآن ماذا تريد مني؟"

فيجيبه عمر:« هذه المرّة لن أنصرف قبل أن تحكيَ لي حكاية البلشفيك». فيقول زريق: «أه، تعني السّمك. حكاية قديمة حقًّا... وما يهمُّك منها؟»

          ويقصّ زريق على عمر قصّة هذا السّمك غير الأرستقراطي وخلاصتها: أنّ البحر في الحرب العظمى الماضية كان مقفلاً لا يأتي منه شيءٌ لكنْ تناهى إلى الصيّادين وحدهم أنّ قومًا يدعون بالبلشفيك، ثاروا على السلطان، وأخلّوا بالنظام فأُغْرِقوا بالبحر الأسود.. ولم يكن يجرؤ مخلوقٌ عَهْدَئذٍ على ذكر اسمهم... لكن في تلك المدّة ظهر عند هذا الساحل صنف من السمك لا نعرفه، سمك غريب، وقد سميّناه البلشفيك، كي نفشي السّر. وقبل أن يهمّ عمر بالانصراف يقول زريق راجيًا: «لكن اعلم أني رجل بسيط، لا أشتغل بالسياسة، فلا تورطني» فيقول عمر: «ومَن يشتغل بالسّياسة في هذا البلد؟»

          ثم ينتهي عمر، رابطًا بين التمهيدين، والحكاية، والغاية التي من أجلها وقف في الجمهور راوية، وخطيبًا وباحثًا سياسيًا، إلى القول: « وأحسب أنّ معرفتنا بالإتحاد السوفياتي تزيد الآن، بعض الشيء عن معرفة الصيّاد/الأسطورة، بجماعة البلشفيك، الذين ثاروا على السلطان وأخلّوا بالنظام، بل تجاوزنا طَوْرَ المعرفة إلى طور الصداقة».

          أمّا وقد اطّلعنا، ولو قفزًا، على حكاية زريق السمّاك و السمك البلشفيك، فقد بات بإمكاننا تَبَيُّنُ عبقريّة عمر الفاخوري في إِحكامه التزاوجَ بين القصّة والمقاله، وفي عفويّة هذا الدمج بين الفنَّيْن، فبِتنا لا ندري، ونحن بين يديه، أنقرأ قصّة أم نقرأ مقالة أم نستمع إليه في خطبة يلقيها!

          وكم أتمنّى أن يقرأ كلٌّ منّا القصّة "قصّة زريق السمّاك" كاملة في "الإتحاد السوفياتي حجر الزاوية" لتشاركوني المتعة والدهشة، ولتصدّقوني في ما قدّمت، وفي أن للقصّ كيمياءَ عجيبةً.      


المصادر والمراجع:       

  1. طالع ترجمته في : "المقالة فنّ وتاريخ ومختارات"، أسعد نصرالله السكاف، دار نظير عبود، ط1، 1995، ص: 236
  2. وداد سكاكين، عمر فاخوري أديب الإبداع والجماهير، القاهرة، 1970، ص. 9
  3. مجلّة الطريق، ع: 4 و 5، 1950، ص. 7 – 8
  4. حسين مروّة، مجلّة الطريق، ع: 5 و 6، 1966، ص. 56
  5. طالع القصّة/المقالة في: "المقالة فنّ وتاريخ ومختارات" مرجع سابق، ص: 232 - 235

المقالة والأقصوصة فنّان تلاقيا فأنجبا

دراسـة في ســــطور تتناول ولادة المقالــة القصصيّـة في الأدب العـربيّ نتيجـــة تلاقــي فَنَّي القول والقصّ عند رائــدٍ من روّاد المقالـــة عندنا الأديب الناقـد: عمــــر فاخوري.

-1-       قد يُخَيّل إلى القارئ أنّ في هذا العنوان مجازًا لا يخلو من مبالَغة في الحُكم، أَو من جنوحٍ في التصّور. وقد ينسحب هذا المتخيّل بوجهه السَّلبي على المقالة المدرجة تحت هذا العنوان؛ ما دمنا نأخذُ بالقول المتواتَر: "الكتاب يُقْرأ من عنوانه". فيكون العنوان، والحالة هذه، مُضِلاًّ القرّاءَ أو مباعدَهم، أو في الأقلّ مُوقعهم في ضبابيَّة مربكة! والمطلوب منه إنّما هو الجذب والكشف والجلاء، لا الإرباك أو التنفير.

غير أنّ المتأمّل قد يرى فيه، غير هذا الذي قد يُخيَّلُ إلى القارئ؛ فكلّ المفردات الداخلة في التركيب إنّما هي مستخدمة استخدامًا حقيقيًّا لا مَجَاز فيه، وإنْ كانت الأشغولة التي يومئ إليها غير مألوفة الحدوث، وهي لا تسلّمك نفسها إلاّ بعد تأمُّلٍ واجتهاد.

فالفنون، كما الأَناسيُّ وكما كلّ الأحياءِ، تتحابُّ، وتشتاق، وتتلاقى وتنجب، وتأتي بأطيب الثمار، تحمل من الملامح والسمات ما يُنميها إلى الجذور التي منها انبثقت، كما تحمل، نتيجة هذا التزاوج الوَلُود، أَنْساغًا ما كنّا رأيناها في أيٍّ من الأَبوين المتزاوجين. والأمثلة كثيرة في تراثنا، نذكر: أدَب المناظرات، المثل الخُرافي، الموشّحات، الشِّعرَ المرسل، قصيدةَ النثر، وهي كلّها ثمار مثل هذا التلاقي كما المقالة القصصيّة ثمرة التلاقي بين فنّ القول وفنّ القصّ. ونحن الآن في صدد مقاربتها، للتعرف إلى مكوّناتها والملامح التي تُنميها، وإلى الأنساغ الجديدة المتهادية في عروقها والتي فيها من القصّ ما أكسب المقالة هذه الجاذبيّة.

والأهداف التي نسعى إلى بلوغها، هي:

1- التأكيد على امّحاء الفواصل والتخوم التي كان السَّلف قد أقامها بين فنّ من الفنون الجميلة وآخر، وقد أخذنا بها ردحًا من الزمن، ولم يكن أحد منّا يجرؤ على تخطّيها. وما هي في حقيقتها سوى حدود متوهّمة، لا تتجاوز الشكل إلى المضمون! حتّى في الدّائرتين الكبيرين للإبداع الأدبي، الشعر والنثر، ناهيك بالدوائر الصغرى المتفرّعة من كلّ منهما. فهل مَنْ يستطيع اليوم أن يدلّني على الحدّ الفاصل بين الشعر والنثر؟ أم هل مَنْ يستطيع أن يباعد في القصّة، وهي أكثر الفنون إلتزامًا بالواقع، بين الشعريّ والسرديّ؟!

2- الإلماح إلى أنّ الفنون والأشكال الأدبيّة تتجاذب فتتلاقى في تآلف وانسجام، فتنجب مولودات جديدة، تتماوج في عروقها روح الأصالة متألّقة بأوشحة الحداثة الدافقةِ ماويّةً وإشراقًا وهي آخذة طريقها إلى القلوب والأذهان.

3- التذكير بأن ازدهار هذين الفنَّين النثريَّين، المقالة والقصّة القصيرة / الأقصوصة، رافق ازدهار الصّحافة المكتوبة، التي رعته، وشقّت لهذين الفنَّين الطريق إلى قلوب القرّاء، وذلك لقدرة صفحاتها على استيعاب كلّ منهما، لاعتدال حجميهما، ولتلاؤم بنية كلّ منهما مع ما تقتضيه مماشاة الحياة المتسارعة الخطى.

ولم يقتصر دَوْر الصحافة على الترويج فحسب، إنما نلمس آثاره في أبعد من ذلك؛ في طبع الأساليب النثريّة، في مجملها، بطابع الأسلوب المقالي بُنْيةً، وصَوْغَ عبارة، فقلَّما نجد فنًّا نثريًّا، إلاّ وفيه من المقالة وأسلوبها ملامح واضحة، بدءًا بالخاطرة، وانتهاءً بالدراسات والأبحاث، والأطاريح الجامعيّة. الأمر الذي يجعلنا نتنشّقُ عبيرَ المقالة في معظم ما نقرأ ونطالع من آثار نثريّة، والذي يجعل مقاربتنا المقالة وتعرّفنا إليها، فنًّا وتاريخًا، ضرورة لتعرّف هويّة الحركة الإبداعيّة النثريّة وتبيّن ملامحها المميّزة.

4- التأكيد على أنّ التمرّس بالمقالة قراءة، وتحليلاً، واكتشاف معالم، هو على أهميّته، نصف الطريق، وليس الطريق كاملة؛ فلن نبلغ الغاية إلاّ بالتمرّس بها كتابةً ومحاكاةً، أو في الأقلّ بتبنّي أسلوبها في ما يصدر عنّا من أعمال أدبيّة، متوخّين بذلك صقل أساليبنا، وتخليص كتابتنا من آفات الرطانة والعُجْمَة، ناهيك بما تطالعنا به لغة "الإنترنت" من مَساخِرِ التشويه والتهجين.

وتحقيقًا لهذه الأهداف، سنقف على مقالة قصصيّة لواحد من روّادها المشاهير، الناقد الأديب عمر فاخوري (1895-1946)(1) وهي بعنوان "سمك البلشفيك" أو زريق السماك، والتي تزاوج فيها هذان الفنّان فأنجبا خير ثمار.

          ولِلقَصِّ جاذبيّةٌ، استمالت الأفئدة واستهوت الألباب منذ طفولة البشريّة حتى يومِنا هذا. وقد توسَّلها الإنسان منذ القِدم في التأثير في نفوسِ الآخرين واجتذابهم إليه. حتّى الكُتُب السَّماويّة اتخذت من بَعْضِ القصص سبيلاً إلى هداية الناس وانتشالِهم من تحجّر الوثنيّة إلى رحاب الوَحْدانيّة وسماحَةِ التوحيد.

          ومازالت صورة الجَدّاتِ يتحلّق حولَهن الصِّغار تخطر في البال باعثةً في نفوسنا أَريجًا طيّبًا أينَ مِنه ما تطالعنا بهِ الوسائل التكنولوجيّةُ اليوم من عروضٍ سُرعانَ ما تنقضي مخلِّفةً وراءَها كثيراً ممّا لا خيرَ فيه.

          وقد مال المبدعون من أُدبائنا إلى سِحر القصّ وجاذبيّته يضيفون به إلى سحر إبداعهم، شعراً تجلّى أمْ نثرًا، سحرًا جديدًا. فكان أن برزت الملامح القَصَصيَّة تلوّن إبداع شعرائنا بألوانها الساحرة تفتن بها الأذواق والقلوب.

-2- عمر فاخوري والقصّ

          عمر ناقدٌ نظريٌّ/تطبيقيٌّ، واقعيُّ المذهب، أرستقراطيُّ العبارة، شعبيُّ الهموم، حرُّ التطلُّعات. كانت له مع القصّة جولات كشفت عن معرفته العميقة الدقيقة بأصول هذا الفنّ، فأقدم على ولوج أقداسها بعد تهيّبٍ واستعداد، ولم يأتها مرتجلاً فتردّهُ خائبًا. وشَّح أدبه بوشاح القصّة، سردًا، وواقعيّة أحداث، وواقعيّة لغةٍ وشخصيّات.فَوُفِّقَ في خلق المناخ القصصيّ يحملنا إليه ثم يمضي وكأنّه لا يكتب قصّة، وهنا سرّ العبقريّة في كلّ إبداع.

          فالقصّ عند عمر، كاللاّزمة، لازمت أَدبه. كما لازم الوصف شعر ابن الرومي، على اختلاف أغراضه. فعمر إن كتب مقالة اجتماعيَّة أو نقديَّة داخلها القصّ، وإن ألقى كلمة في محفل نحا فيها نحو القصّ، وإن حكى لنا حكاية "حنّا الميت" الماشي في جنازة نفسه: ابتدع قصّة حارَ معها مصنّفو الأدب ودارسوه، أهي قصّة، أم رواية أنجز منها فصلَيْن ثم عاجله القدر فلم ينجزها كاملة. حتى إنّ بعض من درس المقالة النقديّة عند عمر انتهى، مبالغًا، إلى القول:« كتب عمر في نقده قصة فنيّة ذاتيّة ولم يكتب نقدًا موضوعيًّا، وكأنَّ عمرالناقد يغلّف مِطْرقته بالقطن فيضربُ ولا يؤذي، ويبدأ بنفسه قبل غيره»(2).

          والفاخوري في مقالته القصصيّة يوازن بين القصّ والكتابة المقاليّة، فيخرجُ بأسلوب جديد تمتزج فيه القصّة بالمقالة. ولم يكن هذا الأسلوب أسلوب بحث مقاليّ، كما لم يكن أسلوب قصّة، إنّما كان هذا وذاك في وقتٍ معًا! فيه من القصّة حيويّتها وجمالُها وجاذبيّتها وسحرُها، ومن الحياة مرارة وخبرة، ومنَ الفكر شراراتٌ مُضيئةٌ تَهْدي السالكين سواءَ السبيل.

          وإذا كان الفاخوري قد أحسن التوازن بين هذين الفنّين فلأنّه في الأساس أَديبٌ قصّاص. نشهد له براعته في "كنوز الفقراء" و "ابن الجيران يأخذ الشهادة" و "حنّا الميت"، بالمكانة التي احتلّها في عالم القصّة القائمة على تصوير الحياة بواقعيّة فنيّة، وعلى التغلغل في أعماق النفس البشريّة مستجليًا همومها ورغباتها، ونزوعها إلى خلق واقع متخيَّلٍ جديد، والصراعَ الذي لا ينتهي، بين ما هو كائن وما يلذّ لها أن يكون... واللاّفت أن الخطّ الذي تسلكه الأحداث في تناميها لم يعد مع عمر أفقيًّا كما كنّا ألفناه مع سواه، بل استوى عموديًّا باحثًا عن ضالّته في الأعماق.

وهذا ما أفاد منه في كتابته المقالة الاجتماعيّة والسياسيّة والنقديّة الأدبيّة، فمضى بعموديَّةٍ أَثْرَت كتاباته وأَكسبتها هذا الزخم، وفتحت لها الطريق إلى قلوب القرّاء وعقولهم تسلكها مزدانة برشاقة الحركة القصصيّة وجاذبيّة ملامحها، زادتهما سُخْرية عمر الهادفة، وفكاهته الرصينة، وأسلوب عمر الرشيق، الأنيق، أَلَقًا وسحرًا وجمالاً.

يقول نعَيمة: "أسلوب عمر أسلوب المحدّث اللّبق، يمتلك عليك انتباهك ومشاعرك. وأنت إذ تفتّش عن السرّ في ذلك، لا تدري، أهو في عبارته المحبوكة حَبْكَ الزَّردِ وهي إلى ذلك أنعم من الحرير... أم هو في السخرية العفويّة التي تجعل الفكر ينتفض والقلب يضاعف نَبْضَه... أم هو في جمال الرسوم والتماثيل الكلاميَّة يعرضها عليك عمر بتواضع الفنّان الواثق من فَنِّه، وبسخاءِ الثريِّ الذي لا يخشى على ثروته النفاد". (3).

          ويقول الشيخ حسين مروّة مثنيًا على توجّه الفاخوري بأدبه إلى السوق يعالج مشكلات الناس وقضاياهم:(4)

          "الأدب والفنّ مخلوقان اجتماعيّان يموتان موتًا طبيعيًّا أو ينتحران إذا عُزلا، أو عَزَلا نفسيهما عن ينابيع الحياة والحركة والنموّ والتجدّد في قلب المجتمع"

          وخير مثال يمكن أن نحتكم إليه لنتبيّن قصصيّة المقالة عند عمر وما أضفاه القصُّ على أدبه بعامّة والمقالة عنده بخاصّة، هو حكاية السّمك البولشفيك، أو زريق السمّاك أستاذ مدرسة الصبر الابتدائيّة التي تتلمذ فيها عمر وفيها تخرّج.

-3- السّمك البولشفيك / زريق السمّاك(5)

في الثامنِ عَشَر من شباط عام ألفٍ وتسعمئة وثلاثةٍ وأربعين، تُحْيي "جمعية أصدقاء الاتّحاد السوفياتي"وكان عمر عميدًا لها، لقاءً ثقافيًّا جماعيًّا، ألقى فيه عمر هذه الكلمة، والتي تصدّرت فيما بعد كتيّبًا نشر بعنوان: "الإتحاد السوفياتي حجر الزاوية".

          يستهلُّ عمر كلمته/ المحاضرة، بتمهيد رشيق يُلمح إلى نوعٍ من السّمك عرفه الساحل اللبناني، ليس كالسمك الأرستقراطي، الفرّيدي، أو السلطان، قيمة ومذاقًا، ولكنه ليس برديء. غاية ما يؤخذ عليه أنه غير أرستقراطي...

          ثم يخلص إلى ما يمكن أن نعتبره مقدّمة أو تمهيدًا ثانيًا، يرسم فيه شخصيّة زريق السمّاك. بطل حكايته. رسمًا دقيقًا مشوّقًا. قد تبدو هذه المقدّمة الثانية، لأوّل وهلة أن لا صلة لها بما تقدّم أو بما سيليها، ولكن عبقريّة عمر وصحبته الطويلة للمتنبّي، جعلتاه خبيرًا في إشراك القارئ في تأليف ما يؤلّف، وفي الرّبط بين ما قد يبدو غير مترابط.

          يتابع عمر في إعداد القارئ لما سيقرأ. فيقول ناقلاً عن والده رحمه الله، بأنّ للصبر العمليّ مدرستين، عُليا؛ وهي دكّان الحلاّق في الصيف... وابتدائيّة، وهي صيد السّمك بالصنّارة في أحد أيام النحس. وأنَّ والده، ليعلِّمه الصبر، كان يأذن له بمرافقة جارهم الصيّاد، إلى مقرّ عمله. صخرةٍ عند مدخل الميناء القديم... "كنت أجلس ثمّة ساعات طوالاً كالصّنم... وكان صاحبي لا ينبس ببنت شفة... ما خلا كلمات غير نظيفة كان يرسلها كلّما أكلت سَمَكة خبيثةٌ الطُّعْمَ، وأَلْحقت بصنّارته إهانة من ذلك النوع الذي لا يغسل عاره إلا الخِضمُّ الفسيح"!

وكم كان صاحبه الصيّاد يضيق به ذرعًا، فيتمَلْمل، ثم يحاول إغراءَه بترك صحبته والعودة إلى البيت قائلا": ألم تشتق إلى أمك؟... ولكنّ عمر كان يثأر لنفسه من تبرّم صاحبه به بأن كان يسمّيه "زريق السمّاك" كما كان يطيب لأبي عمر أن يدعوه متهكمًا.

          وتمضي الأيَّام، ويستشري العمران، وينتقل زريق من صخرة على الساحل إلى صخرة حتى يصل عين المريسة، ويلتقيه عمر من جديد، ومن غير تبرّم، يقول له زريق: "والآن ماذا تريد مني؟"

فيجيبه عمر:« هذه المرّة لن أنصرف قبل أن تحكيَ لي حكاية البلشفيك». فيقول زريق: «أه، تعني السّمك. حكاية قديمة حقًّا... وما يهمُّك منها؟»

          ويقصّ زريق على عمر قصّة هذا السّمك غير الأرستقراطي وخلاصتها: أنّ البحر في الحرب العظمى الماضية كان مقفلاً لا يأتي منه شيءٌ لكنْ تناهى إلى الصيّادين وحدهم أنّ قومًا يدعون بالبلشفيك، ثاروا على السلطان، وأخلّوا بالنظام فأُغْرِقوا بالبحر الأسود.. ولم يكن يجرؤ مخلوقٌ عَهْدَئذٍ على ذكر اسمهم... لكن في تلك المدّة ظهر عند هذا الساحل صنف من السمك لا نعرفه، سمك غريب، وقد سميّناه البلشفيك، كي نفشي السّر. وقبل أن يهمّ عمر بالانصراف يقول زريق راجيًا: «لكن اعلم أني رجل بسيط، لا أشتغل بالسياسة، فلا تورطني» فيقول عمر: «ومَن يشتغل بالسّياسة في هذا البلد؟»

          ثم ينتهي عمر، رابطًا بين التمهيدين، والحكاية، والغاية التي من أجلها وقف في الجمهور راوية، وخطيبًا وباحثًا سياسيًا، إلى القول: « وأحسب أنّ معرفتنا بالإتحاد السوفياتي تزيد الآن، بعض الشيء عن معرفة الصيّاد/الأسطورة، بجماعة البلشفيك، الذين ثاروا على السلطان وأخلّوا بالنظام، بل تجاوزنا طَوْرَ المعرفة إلى طور الصداقة».

          أمّا وقد اطّلعنا، ولو قفزًا، على حكاية زريق السمّاك و السمك البلشفيك، فقد بات بإمكاننا تَبَيُّنُ عبقريّة عمر الفاخوري في إِحكامه التزاوجَ بين القصّة والمقاله، وفي عفويّة هذا الدمج بين الفنَّيْن، فبِتنا لا ندري، ونحن بين يديه، أنقرأ قصّة أم نقرأ مقالة أم نستمع إليه في خطبة يلقيها!

          وكم أتمنّى أن يقرأ كلٌّ منّا القصّة "قصّة زريق السمّاك" كاملة في "الإتحاد السوفياتي حجر الزاوية" لتشاركوني المتعة والدهشة، ولتصدّقوني في ما قدّمت، وفي أن للقصّ كيمياءَ عجيبةً.      


المصادر والمراجع:       

  1. طالع ترجمته في : "المقالة فنّ وتاريخ ومختارات"، أسعد نصرالله السكاف، دار نظير عبود، ط1، 1995، ص: 236
  2. وداد سكاكين، عمر فاخوري أديب الإبداع والجماهير، القاهرة، 1970، ص. 9
  3. مجلّة الطريق، ع: 4 و 5، 1950، ص. 7 – 8
  4. حسين مروّة، مجلّة الطريق، ع: 5 و 6، 1966، ص. 56
  5. طالع القصّة/المقالة في: "المقالة فنّ وتاريخ ومختارات" مرجع سابق، ص: 232 - 235