أكثر من أي يوم مضى ! ويبقى ''وبالتربية نبنيه معاً''.
أكثر من أي يوم مضى ! ويبقى ''وبالتربية نبنيه معاً''.
إنه لبنان، هذا الوطن، الذي قصّرت في وصفه الكلمات، والذي عجزت عن استيعاب ميزاته العقول، قيل فيه الكثير ويقال، هو موطن الحرف، منبع الحضارات، واحة الثقافات، لوحة للحب والجمال، بلد الإيمان، أرزه أرز الرب، موطن الأحرار، ومسرح القيثارة والغناء، إنه بلد الرسالة والتفاعل، بلد الخلق والإبداع، مورد المبدعين والأدباء والمفكرين والعلماء، مقر الأبطال، قلعة الصمود والمقاومة والعطاء، لبنان الصيغة الرائدة مثال في عالمه العربي، ومثل في العالم أجمع، إنه فعلاً لبنان الذي نحب وبه نعتز. في هكذا وطن تطيب التضحيات وتحلو العطاءات.
صحيح أن لبنان مثقل ومتعب بشتى أنواع الهموم، صحيح أن وجه لبنان مثخن بالجراح ومضرّج بدماء أجساد الأبرياء من أطفاله ونسائه وشيوخه المستباحة أجسادهم بالعدوان الإسرائيلي الغاشم، صحيح أن لبنان يئِن في صدره ويتألم في قلبه، صحيح أن لبنان يعاني الأزمات الواحدة تلو الأخرى، صحيح أنه ينوء بالنكبات منذ ما يزيد عن ثلاثين عاماً، وصحيح أيضاً أن بعض أبنائه تعبوا ومن حقهم أن يتعبوا لأنهم بشر، غادروه مرغمين يحملون في قلوبهم غصة وفي أفكارهم حسرة، يتوقون للعودة إليه في اقرب وقت متاح.
والصحيح ايضاً أننا نرفض كل ما يقال ويشاع عن ضياع أو ظلام أو يأس أو إحباط، وأن لبنان هو كطائر الفينيق يخرج في كل مرة من رحم الأزمات مارداً منتصراً كبيراً شامخاً، والصحيح أيضاً وأيضاً انه تعوّد أن يولد في كل مرة جديداً من بين الأنقاض.
كل هذا الكلام وكل هذه الصور واللوحات تبقى إما أنشودة على لسان أو أكذوبة يلوكها الفم، ما لم يوضع فعلاً وأكثر من أي يوم مضى شعارنا ''وبالتربية نبني معاً'' موضع التنفيذ والتطبيق وها نحن ننهض بعد كبوة ونشدّ الأيدي بالأيدي بعد ترهّل، وننفض من هواجسنا اليأس والإحباط والهروب، ونتواعد على التضامن مع التربية في لبنان بدءًا من يوم التضامن التربوي الوطني الذي أطلقه معالي وزير التربية والتعليم العالي الدكتور خالد قباني في التاسع من شهر تشرين الأول والذي كان شعاره ''معاً نربي ... معاً يبقى الوطن''.
هذا اليوم كان يوماً مفعماً بالحماس عابقاً بالحب كبيراً بالإباء، وها هي دورة التربية في لبنان تعود إلى طبيعتها ويعود معها همّ بناء الإنسان في هذا الوطن إلى واجهة الاهتمامات. وها هو المركز التربوي للبحوث والإنماء كرافد من روافد القطاعات التربوية الرسمية والخاصة وكحاضن لجميع المدارس والتيارات التربوية والفكرية يعود وينطلق من جديد في ورشة نهوض متجدّدة تضجّ زخماً باتجاه عقد الندوات وورش العمل الوطنية الموسعة التي كانت مقررة سابقاً لإعادة الحياة إلى ربوعه بهمة الواثق المتطلع بإيمان باتجاه المشاريع الرائدة التي تتمحور حول:
- مشروع مناهج جديدة لمرحلة الروضة ٣ سنوات.
- مشروع مناهج الحلقة الأولى من مرحلة التعليم الأساسي الذي بُنيَ على أساس تمكين المتعلّم من اللغة العربية واللغات الأجنبية والرياضيات وتوسيع دائرة النشاطات وتخفيف الحقيبة المدرسية.
- مشروع التقييم والامتحانات الرسمية في بنيته الجديدة التي تقوم على الكفايات.
- مشروع التقوية المدرسية.
- مشروع التدريب المستمر.
- وضع مخطط لبناء مناهج جديدة للحلقة الثانية من مرحلة التعليم الأساسي.
- تفعيل المشاريع المشتركة المتعدّدة مع المنظمات الدولية والمؤسسات الوطنية.
- استكمال مشاريع النهوض التربوي وفقاً للخطط المرسومة للأعوام ٢٠٠٦ و ٢٠٠٧ و ٢٠٠٨
إن هذا العدد من المجلة التربوية الذي يركز على التربية على المواطنية في زمن الحرب والمساندة النفسية للتلامذة وكيفية استيعاب عوارض ما بعد الصدمة للأولاد، وغير ذلك من المواضيع التعليمية والتربوية، ما هو الا حلقة من حلقات التعب المجدي والكدّ المتواصل للعاملين في المركز التربوي والمتعاملين معه من اختصاصيين وأكاديميين وباحثين ومؤلفين وأساتذة، هؤلاء الذين يتنافسون في خدمة التربية ويفخرون بما يقدّمون لأجيالنا الطالعة. من هذه النافذة الصغيرة نتطلع إلى ورشة العمل الوطنية الكبرى التي تهدف أول ما تهدف إلى بناء الإنسان في لبنان الذي هو ركيزة بناء الوطن فيكون بذلك الشعار الذي يغلّفِ تحركاتنا ويوجّهِ أعمالنا ''وبالتربية نبي معاً'' فعلاً حياًّ ساطعاً تنتجه الأيدي الخيّرِة لا قولاً نعلنه فوق المنابر.
هكذا يكبر الأمل ويزهو المستقبل وهكذا نخرج من الظلمة إلى الضوء حيث تلامس أشعة الشمس سنابل لبنان الواعدة التي تشدّنا إليها عند الشروق كما عند الغروب ليبقى لنا لبنان وبه نحيا.