نقطة الدائرة
"القادة وكبار الموظفين الذين سيديرون شؤون لبنان في النصف الثاني من القرن الواحد والعشرين هم اليوم اطفال في مرحلة الروضة"
مرّ لبنان خلال السنوات الخالية بأزمات قاسية تركت آثاراً سلبية على اللبنانيين وعلى استقرارهم الاجتماعي والحياتي حتى بات الجميع يشعر يوماً بعد يوم وكأنه يفقد الامل بمستقبل واعد لاطفاله ولمجتمعه ولوطنه. لماذا هذا الكلام في المجلة التربوية؟ الجواب بمنتهى البساطة هو: لأن المسألة وقبل أن تكون سياسية أو اقتصادية أو أمنية أو غير ذلك من العناصر التي تتحكم بحياة المجتمع والوطن، هي مسألة تربوية بامتياز.
إن واقعنا اليوم هو مرآة لتربيتنا بالأمس ونتيجة لها، ومستقبل أولادنا غداً سوف لن يكون أفضل حالاً ان لم نتوقف للحظة أمام الخيبة الهائلة التي نعيشها على جميع الصعد، نتوقف، نفكر بهدوء، نستلهم الصبر، ننفض عن أعيننا غبار الوهم، نواجه الحقيقة، نستبدل الكره بالمحبة، يتقرّب بعضنا من بعض بصدق وانفتاح، نعبّد الطريق أمام أولادنا لكي يسيروا عليها بأمان نحو مستقبل إنساني آمن هو حق لهم ولا يحق لأحد حرمانهم منه مهما كانت المبررات. اذاً، ان عملية الخروج من هذا المأزق لا تتم إلا من خلال التربية، من المناهج التربوية التي يجب أن تتضمن كل الأفكار الجامعة والموحدة والإنسانية والحضارية والمنفتحة على التجربة العالمية في مجالات حقوق الإنسان والحرية والمساواة، وأن تتضمن كذلك السبل التربوية التي تؤدي الى بناء الإنسان المتوازن، العاقل، المفكر، غير المتطرف، والموضوعي والطموح والمؤمن بوطنه ايماناً راسخاً ونهائياً. ولعلنا اليوم جميعاً من دون استثناء أحوج ما نكون فيه الى تربية مواطنية، لأن الوطن في النهاية هو نحن، هو تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا وأحلامنا وتطلعاتنا وعاداتنا وتقاليدنا والأهم من ذلك كله هو هويتنا. وهذه الهوية لا يمكن أن تولد الا من رحم التربية.
التربية هي نقطة الدائرة في حياتنا، ونحن وإن كنا نفاخر وعن حق بمناهجنا التعليمية الحديثة، وبالرغم من جميع المعوقات، الا أننا ندرك أن التعليم وحده لا يكفي، فمن يخترع سلاح الدمار والعقاقير القاتلة هو متعلم وفائق الذكاء، ومن يأخذ قرارات الحرب والابادة هو متعلم وقائد ويحمل الشهادات العالية، والأمثلة على ذلك لا تحصى، فنحن لا يجب أن نكتفي بالتعليم وحده بل نريده أن يتحصّن وان يتزيّن بالتربية، أن يرتقي عن طريق الممارسة الى مستوى التربية الاشمل والأعمق، أن تصبح المدرسة والجامعة مصنعاً للإنسان الحق وليس مركزاً لمحو الأمية العلمية فقط. فالحياة التي وهبها لله لنا ثمينة جداً وتستحق منا بعض الجهد كي لا نقول كله من أجل جعلها أجمل وأفضل وأكثر قيمة.