ذاكرة المجلة

العدد الاول ١٩٧٤

لقاء مع مدير أول ثانوية رسميّة في لبنان

محي الدين البواب ولد عام ١٩١٤ – بيروت.

* تلقى علومه الابتدائية والمتوسط في مدرسة اللاييك والثانوية في المقاصد.

* تخرج بدرجة ليسانس في الأداب من جامعة فؤاد الأول في القاهرة عام ١٩٤٢.

* درس اللغة العربية وآدابها في مدارس جمعية المقاصد الخيرية الأسلامية مدة أربع سنوات.

* التحق بالتعليم الرسمي في مدرسة حوض الولاية عام ١٩٤٥.

* أوفدته وزارة التربية بالاشتراك مع منظمة اليونسكو الى بغداد في بعثة تعليمية لمدة سبعة أشهر القى خلالها محاضرات في عدد من المدارس الثانوية وساهم في مشروع رفع مستوى كتب التاريخ واللغة العربية.

* عين مديراً لأول ثانوية في لبنان عام ١٩٥٣ وما زال يشغل هذا المنصب حتى الآن.

* مؤلفاته: سلسلة كتب قواعد اللغة العربية لصفوف المرحلة المتوسطة، وكتاب الأدب الحديث، لصفوف البكالوريا، بالاضافة الى سلسلة كتب طلاب البكالوريا في الامتحانات.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

محيي الدين بواب مدير ثانوية الطريق الجديدة منذ اثنتين وعشرين سنة، كان لنا معه حديث حول شؤون التعليم وشجونه، حديث فيه من الصدق، بقدر اخلاص صاحبه.

قلت: كم مضى عليك في مهنة التعليم؟

قال: مضى علي اربع وثلاثون سنة منها اربع سنوات امضيتها مدرسا في جمعية المقاصد الخيرية الاسلامية وامضيت الثلاثين سنة الباقية فس سلك التعليم الرسمي، تدرجت خلالها من مدرس تكميلي الى استاذ ثانوي ثم تسلمت ادارة ثانوية الطريق الجديدة منذ اثنتين وعشرين سنة وما زلت هنا في هذا المكان ... على كل حال لنا الله ... "غيري صاروا وزراء" ...

قلت: دخلت التعليم وانا اتحدث عن التعليم انني عايش تاريخ التعليم الثانوي الرسمي في لبنان نشأته فهل لي ان اسمع منك قصة هذا التعليم ؟

قال: دخلت التعليم الثانوي منذ نشأته الاولى أي في عام ١٩٥٣ عندما صدر مرسوم بانشاء ثلاث ثانويات احداها في بيروت، وهي ثانوية الطريق الجديدة، واثنتين في طرابلس احداهما للذكور والثانية للاناث. وقبل ذلك، أي منذ عام ١٩٤٥، كنت استاذا في المرحلة المتوسطة.

– كيف بدأ التعليم الثانوي في ثانوية الطريق الجديدة وكم كان عدد طلابها في عامها الاول؟

* عندما تسلمت ادارة الثانوية كان عدد طلابها حوالي ٤٥٠ طالبا في المراحل الثلاث الروضة والابتدائي والمتوسط، وبعد مرور سنة ارتفع العدد الى ١٤٥٠ طالبا، أي بعد عام، استحدثت فرع البكالوريا الاولى – وفي السنة الثانية استحدثت صفي الرياضيات والفلسفة.

- هل تذكر عدد خريجي هذه الثانوية؟

* حوالي ١٥٠٠ متخرج.

- أما زلت على صلة بالمتخرجين؟

* طبعا ، هؤلاء اولادي ، وانا حريص على تتبع مراحل حياتهم، ومنذ مدة اتصلت بعدد من المتخرجين وحثثتهم على ضرورة انشاء رابطة تجمع شملهم.

- هل تذكر من هؤلاء المتخرجين من برز في اختصاص معين؟

* طبعا، منهم الطبيب ومنهم الجامعي، ومنهم المهندس وما زلت اذكر رمال رمال الذي يتخصص في الهندسة الالكترونية في فرنسا بمنحة من الحكومة الفرنسية نفسها تقديرا لعبقريته.

وتابع المربي محي الدين بواب قائلا: هؤلاء طلابي، جزء من حياتي، وجزء من هذا الكون الصحيح الذي يجب ان ينشأ.

- لعلكم تسمعون كما نسمع انتقادات الاهلين للتعليم الرسمي. فهل ثمة مبرر لهذه الانتقادات؟

* اعتقد، وبصراحة ، ان الدولة كلها مقصرة بحق المواطنين ... نحن نلنا استقلالنا سنة ١٩٤٥ – ٤٦. ومر حوالي ثماني سنوات او اكثر حتى فكرت الدولة بانشاء ثانوية، بينما كان مفروضا بها ان تنشئ الثانويات منذ اول يوم من نيلنا الاستقلال وتتوسع في التعليم الرسمي وتطويره ورفع مستواه.

واضاف : البعض يتهم التعليم الرمسي بانه ادنى مستوى من التعليم الخاص، وفي رايي ان التعليم الرسمي ليس اقل مستوى، بدليل ان ثانوية الطريق الجديدة كانت نتائجها وظلت افضل بكثير من نتائج معظم المدارس الخاصة انما عدم ايمان الناس بالتعليم الرسمي هو الذي جعلهم يتجهون نحو التعليم الخاص، وعندما بدأ المواطن يدرك ان الثانويات الرسمية توازى في مستواها المدارس الخاصة او انها افضل من بعضها بدأ يقبل عليها. ناهيك عن دور الوضع الاجتماعي والاقتصادي في توسيع التعليم الرسمي.

وقال: ثمة سبب رئيسي ادى الى ضعف الثقة بالتعليم الرسمي وخصوصا في المرحلة الثانوية وهو ان الثانويات كانت تعتمد على بعض اساتذة تدرجوا من التعليم الابتدائي والتكميلي الى الثانوي، لان كلية التربية في الجامعة اللبنانية لم تكن قد افتتحت بعد، بينما كانت الثانويات الخاصة تعتمد على اساتذة جامعيين ومتخصصين، هذا من جهة، ومن جهة ثانية يبدو ان الدولة كانت في السابق تنظر الى المدرسة الرسمية على انها تأمين بناء وطاولات دون الاهتمام بالمدرس وثقافته وكتطلبات المدرسة الحديثة من مختبرات ومكتبات وتجهيزات مختلفة الى غير ذلك من المعطيات التربوية التي كانت مفقودة تقريبا، هذا بالاضافة الى ان التعليم الرسمي، لا سيما في المرحلة الثانوية، كان لسنوات خلت يدرس اللغة الفرنسية دون سواها، وهذا بنظري سبب من اسباب بطء المدرسة الرسمية.

قلت للاستاذ بواب: البعض يخلط بين التعليم والتربية والبعض الآخر يفصل بينهما، وانت هل تعتبر ان مهنة المدرسة هي التعليم فقط ام التعليم والتربية؟

قال: بنظري يمكن ان نقسم الموضوع قسمين: التعليم الابتدائي حتى المتوسط يجب ان يعتمد التربية اولا والتعليم ثانيا. وفي المرحلة الثانوية يصبح التعليم والتثقيف هنا الاساس. هذا اذا اردنا بكلمة التربية التكيف او اكتشاف ميول الطالب واستعداداته بحيث انه عندما يصل الى المرحلة الثانوية يكون قد وصل اللا الاختيار الذي يناسب هدفه وميله واستعداده وكفاءته. وهناك امر آخر غير التعليم وهو التوجيه والتثقيف أي ان الطال عندما يتخرج من التعليم الثانوي يجب ان يتوجه نحو الهدف الذي يناسبه ويصبح ملما بعض الشيء بالحوليات أي بما هو حاله، وهذا مع الاسف لم يتوافر بعد كما يجب في منهج التعليم الثانوي لا سيما في ما يتعلق بدراسة البيئة والحضارة، فالطالب الثانوي اليوم لا يدرك شيئا عن اسباب وجود الحضارة وتطورها ولا عن اسباب التحولات الطبيعية في حياته وما يتبعها من فكر.

وباختصار ان مناهج التعليم الثانوي تنقصها اشياء كثيرة. ينقصها الاهتمام بالدراسات الاجتماعية والمدنيات لدرجة ان ابن بيروت مثلا لا يعرف شيئا عن الهرمل وعن البقاع، ولا يعرف طبيعة الحياة في هذه المنطقة او تلك. ليس المهم تدريس الطالب تاريخ الحوادث التي مرت وانما المهم بنظري والاهم هو ان تدرسه البيئة التي يعيش فيها كذلك عن الجنوب وابن الهرمل والاسباب التي تكمن وراء تخلف هذه المنطقة او تلك يجب ان يتعلم الطالب لماذا هذا التأخر والتخلف، من المسؤول ولكي يستخلص من هذه الاسئلة تأثيرها الفعال على العالم.

ومضى مدير ثانوية الطريق الجديدة يقول: المدرسة ليست مصنعا، نحن لا نريد ان نصنع الطلاب، انما نريد ان نخلق افكارا ورجالا، نريد ان نكوّن هؤلاء الناس، ولا نريد ان نكتفي باعطائهم شهادة مرور لا اكثر ولا اقل.

- انا افهم من هذا، ان مناهجنا ما زالت متخلفة قياسا الى مناهج الدول المتقدمة.

* هذا الكلام ليس كله صحيحا، فمناهجنا ليست متخلفة وانما لم تتطور بعد التطور الكافي.

- تحتل ثانوية الطريق الجديدة شهرة واسعة ما هي اسباب هذه الشهرة وهل يعود اليك الفضل في ذلك؟

* ثقة الناس بهذه الثانوية وبمديرها دفعنا ثمنها من عمرنا وجهدنا وعزمنا ونحن فخورون بما قدمناه خصوصا اذا كانت المكافأة هي هذه الثقة.

 

وكان الحديث مع صاحب تجربة ربع قرن في التعليم الثانوي يمكن ان يطول ساعات وساعات وانما هدفنا هنا ان نعرف عالم التربية بشكل موجز سريع الى واحد من جنود المهنة الرسالة التي ترتكز قبل كل شيء على عنصر الطاقات البشرية المتكرسة لها.

ذاكرة المجلة

العدد الاول ١٩٧٤

لقاء مع مدير أول ثانوية رسميّة في لبنان

محي الدين البواب ولد عام ١٩١٤ – بيروت.

* تلقى علومه الابتدائية والمتوسط في مدرسة اللاييك والثانوية في المقاصد.

* تخرج بدرجة ليسانس في الأداب من جامعة فؤاد الأول في القاهرة عام ١٩٤٢.

* درس اللغة العربية وآدابها في مدارس جمعية المقاصد الخيرية الأسلامية مدة أربع سنوات.

* التحق بالتعليم الرسمي في مدرسة حوض الولاية عام ١٩٤٥.

* أوفدته وزارة التربية بالاشتراك مع منظمة اليونسكو الى بغداد في بعثة تعليمية لمدة سبعة أشهر القى خلالها محاضرات في عدد من المدارس الثانوية وساهم في مشروع رفع مستوى كتب التاريخ واللغة العربية.

* عين مديراً لأول ثانوية في لبنان عام ١٩٥٣ وما زال يشغل هذا المنصب حتى الآن.

* مؤلفاته: سلسلة كتب قواعد اللغة العربية لصفوف المرحلة المتوسطة، وكتاب الأدب الحديث، لصفوف البكالوريا، بالاضافة الى سلسلة كتب طلاب البكالوريا في الامتحانات.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

محيي الدين بواب مدير ثانوية الطريق الجديدة منذ اثنتين وعشرين سنة، كان لنا معه حديث حول شؤون التعليم وشجونه، حديث فيه من الصدق، بقدر اخلاص صاحبه.

قلت: كم مضى عليك في مهنة التعليم؟

قال: مضى علي اربع وثلاثون سنة منها اربع سنوات امضيتها مدرسا في جمعية المقاصد الخيرية الاسلامية وامضيت الثلاثين سنة الباقية فس سلك التعليم الرسمي، تدرجت خلالها من مدرس تكميلي الى استاذ ثانوي ثم تسلمت ادارة ثانوية الطريق الجديدة منذ اثنتين وعشرين سنة وما زلت هنا في هذا المكان ... على كل حال لنا الله ... "غيري صاروا وزراء" ...

قلت: دخلت التعليم وانا اتحدث عن التعليم انني عايش تاريخ التعليم الثانوي الرسمي في لبنان نشأته فهل لي ان اسمع منك قصة هذا التعليم ؟

قال: دخلت التعليم الثانوي منذ نشأته الاولى أي في عام ١٩٥٣ عندما صدر مرسوم بانشاء ثلاث ثانويات احداها في بيروت، وهي ثانوية الطريق الجديدة، واثنتين في طرابلس احداهما للذكور والثانية للاناث. وقبل ذلك، أي منذ عام ١٩٤٥، كنت استاذا في المرحلة المتوسطة.

– كيف بدأ التعليم الثانوي في ثانوية الطريق الجديدة وكم كان عدد طلابها في عامها الاول؟

* عندما تسلمت ادارة الثانوية كان عدد طلابها حوالي ٤٥٠ طالبا في المراحل الثلاث الروضة والابتدائي والمتوسط، وبعد مرور سنة ارتفع العدد الى ١٤٥٠ طالبا، أي بعد عام، استحدثت فرع البكالوريا الاولى – وفي السنة الثانية استحدثت صفي الرياضيات والفلسفة.

- هل تذكر عدد خريجي هذه الثانوية؟

* حوالي ١٥٠٠ متخرج.

- أما زلت على صلة بالمتخرجين؟

* طبعا ، هؤلاء اولادي ، وانا حريص على تتبع مراحل حياتهم، ومنذ مدة اتصلت بعدد من المتخرجين وحثثتهم على ضرورة انشاء رابطة تجمع شملهم.

- هل تذكر من هؤلاء المتخرجين من برز في اختصاص معين؟

* طبعا، منهم الطبيب ومنهم الجامعي، ومنهم المهندس وما زلت اذكر رمال رمال الذي يتخصص في الهندسة الالكترونية في فرنسا بمنحة من الحكومة الفرنسية نفسها تقديرا لعبقريته.

وتابع المربي محي الدين بواب قائلا: هؤلاء طلابي، جزء من حياتي، وجزء من هذا الكون الصحيح الذي يجب ان ينشأ.

- لعلكم تسمعون كما نسمع انتقادات الاهلين للتعليم الرسمي. فهل ثمة مبرر لهذه الانتقادات؟

* اعتقد، وبصراحة ، ان الدولة كلها مقصرة بحق المواطنين ... نحن نلنا استقلالنا سنة ١٩٤٥ – ٤٦. ومر حوالي ثماني سنوات او اكثر حتى فكرت الدولة بانشاء ثانوية، بينما كان مفروضا بها ان تنشئ الثانويات منذ اول يوم من نيلنا الاستقلال وتتوسع في التعليم الرسمي وتطويره ورفع مستواه.

واضاف : البعض يتهم التعليم الرمسي بانه ادنى مستوى من التعليم الخاص، وفي رايي ان التعليم الرسمي ليس اقل مستوى، بدليل ان ثانوية الطريق الجديدة كانت نتائجها وظلت افضل بكثير من نتائج معظم المدارس الخاصة انما عدم ايمان الناس بالتعليم الرسمي هو الذي جعلهم يتجهون نحو التعليم الخاص، وعندما بدأ المواطن يدرك ان الثانويات الرسمية توازى في مستواها المدارس الخاصة او انها افضل من بعضها بدأ يقبل عليها. ناهيك عن دور الوضع الاجتماعي والاقتصادي في توسيع التعليم الرسمي.

وقال: ثمة سبب رئيسي ادى الى ضعف الثقة بالتعليم الرسمي وخصوصا في المرحلة الثانوية وهو ان الثانويات كانت تعتمد على بعض اساتذة تدرجوا من التعليم الابتدائي والتكميلي الى الثانوي، لان كلية التربية في الجامعة اللبنانية لم تكن قد افتتحت بعد، بينما كانت الثانويات الخاصة تعتمد على اساتذة جامعيين ومتخصصين، هذا من جهة، ومن جهة ثانية يبدو ان الدولة كانت في السابق تنظر الى المدرسة الرسمية على انها تأمين بناء وطاولات دون الاهتمام بالمدرس وثقافته وكتطلبات المدرسة الحديثة من مختبرات ومكتبات وتجهيزات مختلفة الى غير ذلك من المعطيات التربوية التي كانت مفقودة تقريبا، هذا بالاضافة الى ان التعليم الرسمي، لا سيما في المرحلة الثانوية، كان لسنوات خلت يدرس اللغة الفرنسية دون سواها، وهذا بنظري سبب من اسباب بطء المدرسة الرسمية.

قلت للاستاذ بواب: البعض يخلط بين التعليم والتربية والبعض الآخر يفصل بينهما، وانت هل تعتبر ان مهنة المدرسة هي التعليم فقط ام التعليم والتربية؟

قال: بنظري يمكن ان نقسم الموضوع قسمين: التعليم الابتدائي حتى المتوسط يجب ان يعتمد التربية اولا والتعليم ثانيا. وفي المرحلة الثانوية يصبح التعليم والتثقيف هنا الاساس. هذا اذا اردنا بكلمة التربية التكيف او اكتشاف ميول الطالب واستعداداته بحيث انه عندما يصل الى المرحلة الثانوية يكون قد وصل اللا الاختيار الذي يناسب هدفه وميله واستعداده وكفاءته. وهناك امر آخر غير التعليم وهو التوجيه والتثقيف أي ان الطال عندما يتخرج من التعليم الثانوي يجب ان يتوجه نحو الهدف الذي يناسبه ويصبح ملما بعض الشيء بالحوليات أي بما هو حاله، وهذا مع الاسف لم يتوافر بعد كما يجب في منهج التعليم الثانوي لا سيما في ما يتعلق بدراسة البيئة والحضارة، فالطالب الثانوي اليوم لا يدرك شيئا عن اسباب وجود الحضارة وتطورها ولا عن اسباب التحولات الطبيعية في حياته وما يتبعها من فكر.

وباختصار ان مناهج التعليم الثانوي تنقصها اشياء كثيرة. ينقصها الاهتمام بالدراسات الاجتماعية والمدنيات لدرجة ان ابن بيروت مثلا لا يعرف شيئا عن الهرمل وعن البقاع، ولا يعرف طبيعة الحياة في هذه المنطقة او تلك. ليس المهم تدريس الطالب تاريخ الحوادث التي مرت وانما المهم بنظري والاهم هو ان تدرسه البيئة التي يعيش فيها كذلك عن الجنوب وابن الهرمل والاسباب التي تكمن وراء تخلف هذه المنطقة او تلك يجب ان يتعلم الطالب لماذا هذا التأخر والتخلف، من المسؤول ولكي يستخلص من هذه الاسئلة تأثيرها الفعال على العالم.

ومضى مدير ثانوية الطريق الجديدة يقول: المدرسة ليست مصنعا، نحن لا نريد ان نصنع الطلاب، انما نريد ان نخلق افكارا ورجالا، نريد ان نكوّن هؤلاء الناس، ولا نريد ان نكتفي باعطائهم شهادة مرور لا اكثر ولا اقل.

- انا افهم من هذا، ان مناهجنا ما زالت متخلفة قياسا الى مناهج الدول المتقدمة.

* هذا الكلام ليس كله صحيحا، فمناهجنا ليست متخلفة وانما لم تتطور بعد التطور الكافي.

- تحتل ثانوية الطريق الجديدة شهرة واسعة ما هي اسباب هذه الشهرة وهل يعود اليك الفضل في ذلك؟

* ثقة الناس بهذه الثانوية وبمديرها دفعنا ثمنها من عمرنا وجهدنا وعزمنا ونحن فخورون بما قدمناه خصوصا اذا كانت المكافأة هي هذه الثقة.

 

وكان الحديث مع صاحب تجربة ربع قرن في التعليم الثانوي يمكن ان يطول ساعات وساعات وانما هدفنا هنا ان نعرف عالم التربية بشكل موجز سريع الى واحد من جنود المهنة الرسالة التي ترتكز قبل كل شيء على عنصر الطاقات البشرية المتكرسة لها.

ذاكرة المجلة

العدد الاول ١٩٧٤

لقاء مع مدير أول ثانوية رسميّة في لبنان

محي الدين البواب ولد عام ١٩١٤ – بيروت.

* تلقى علومه الابتدائية والمتوسط في مدرسة اللاييك والثانوية في المقاصد.

* تخرج بدرجة ليسانس في الأداب من جامعة فؤاد الأول في القاهرة عام ١٩٤٢.

* درس اللغة العربية وآدابها في مدارس جمعية المقاصد الخيرية الأسلامية مدة أربع سنوات.

* التحق بالتعليم الرسمي في مدرسة حوض الولاية عام ١٩٤٥.

* أوفدته وزارة التربية بالاشتراك مع منظمة اليونسكو الى بغداد في بعثة تعليمية لمدة سبعة أشهر القى خلالها محاضرات في عدد من المدارس الثانوية وساهم في مشروع رفع مستوى كتب التاريخ واللغة العربية.

* عين مديراً لأول ثانوية في لبنان عام ١٩٥٣ وما زال يشغل هذا المنصب حتى الآن.

* مؤلفاته: سلسلة كتب قواعد اللغة العربية لصفوف المرحلة المتوسطة، وكتاب الأدب الحديث، لصفوف البكالوريا، بالاضافة الى سلسلة كتب طلاب البكالوريا في الامتحانات.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

محيي الدين بواب مدير ثانوية الطريق الجديدة منذ اثنتين وعشرين سنة، كان لنا معه حديث حول شؤون التعليم وشجونه، حديث فيه من الصدق، بقدر اخلاص صاحبه.

قلت: كم مضى عليك في مهنة التعليم؟

قال: مضى علي اربع وثلاثون سنة منها اربع سنوات امضيتها مدرسا في جمعية المقاصد الخيرية الاسلامية وامضيت الثلاثين سنة الباقية فس سلك التعليم الرسمي، تدرجت خلالها من مدرس تكميلي الى استاذ ثانوي ثم تسلمت ادارة ثانوية الطريق الجديدة منذ اثنتين وعشرين سنة وما زلت هنا في هذا المكان ... على كل حال لنا الله ... "غيري صاروا وزراء" ...

قلت: دخلت التعليم وانا اتحدث عن التعليم انني عايش تاريخ التعليم الثانوي الرسمي في لبنان نشأته فهل لي ان اسمع منك قصة هذا التعليم ؟

قال: دخلت التعليم الثانوي منذ نشأته الاولى أي في عام ١٩٥٣ عندما صدر مرسوم بانشاء ثلاث ثانويات احداها في بيروت، وهي ثانوية الطريق الجديدة، واثنتين في طرابلس احداهما للذكور والثانية للاناث. وقبل ذلك، أي منذ عام ١٩٤٥، كنت استاذا في المرحلة المتوسطة.

– كيف بدأ التعليم الثانوي في ثانوية الطريق الجديدة وكم كان عدد طلابها في عامها الاول؟

* عندما تسلمت ادارة الثانوية كان عدد طلابها حوالي ٤٥٠ طالبا في المراحل الثلاث الروضة والابتدائي والمتوسط، وبعد مرور سنة ارتفع العدد الى ١٤٥٠ طالبا، أي بعد عام، استحدثت فرع البكالوريا الاولى – وفي السنة الثانية استحدثت صفي الرياضيات والفلسفة.

- هل تذكر عدد خريجي هذه الثانوية؟

* حوالي ١٥٠٠ متخرج.

- أما زلت على صلة بالمتخرجين؟

* طبعا ، هؤلاء اولادي ، وانا حريص على تتبع مراحل حياتهم، ومنذ مدة اتصلت بعدد من المتخرجين وحثثتهم على ضرورة انشاء رابطة تجمع شملهم.

- هل تذكر من هؤلاء المتخرجين من برز في اختصاص معين؟

* طبعا، منهم الطبيب ومنهم الجامعي، ومنهم المهندس وما زلت اذكر رمال رمال الذي يتخصص في الهندسة الالكترونية في فرنسا بمنحة من الحكومة الفرنسية نفسها تقديرا لعبقريته.

وتابع المربي محي الدين بواب قائلا: هؤلاء طلابي، جزء من حياتي، وجزء من هذا الكون الصحيح الذي يجب ان ينشأ.

- لعلكم تسمعون كما نسمع انتقادات الاهلين للتعليم الرسمي. فهل ثمة مبرر لهذه الانتقادات؟

* اعتقد، وبصراحة ، ان الدولة كلها مقصرة بحق المواطنين ... نحن نلنا استقلالنا سنة ١٩٤٥ – ٤٦. ومر حوالي ثماني سنوات او اكثر حتى فكرت الدولة بانشاء ثانوية، بينما كان مفروضا بها ان تنشئ الثانويات منذ اول يوم من نيلنا الاستقلال وتتوسع في التعليم الرسمي وتطويره ورفع مستواه.

واضاف : البعض يتهم التعليم الرمسي بانه ادنى مستوى من التعليم الخاص، وفي رايي ان التعليم الرسمي ليس اقل مستوى، بدليل ان ثانوية الطريق الجديدة كانت نتائجها وظلت افضل بكثير من نتائج معظم المدارس الخاصة انما عدم ايمان الناس بالتعليم الرسمي هو الذي جعلهم يتجهون نحو التعليم الخاص، وعندما بدأ المواطن يدرك ان الثانويات الرسمية توازى في مستواها المدارس الخاصة او انها افضل من بعضها بدأ يقبل عليها. ناهيك عن دور الوضع الاجتماعي والاقتصادي في توسيع التعليم الرسمي.

وقال: ثمة سبب رئيسي ادى الى ضعف الثقة بالتعليم الرسمي وخصوصا في المرحلة الثانوية وهو ان الثانويات كانت تعتمد على بعض اساتذة تدرجوا من التعليم الابتدائي والتكميلي الى الثانوي، لان كلية التربية في الجامعة اللبنانية لم تكن قد افتتحت بعد، بينما كانت الثانويات الخاصة تعتمد على اساتذة جامعيين ومتخصصين، هذا من جهة، ومن جهة ثانية يبدو ان الدولة كانت في السابق تنظر الى المدرسة الرسمية على انها تأمين بناء وطاولات دون الاهتمام بالمدرس وثقافته وكتطلبات المدرسة الحديثة من مختبرات ومكتبات وتجهيزات مختلفة الى غير ذلك من المعطيات التربوية التي كانت مفقودة تقريبا، هذا بالاضافة الى ان التعليم الرسمي، لا سيما في المرحلة الثانوية، كان لسنوات خلت يدرس اللغة الفرنسية دون سواها، وهذا بنظري سبب من اسباب بطء المدرسة الرسمية.

قلت للاستاذ بواب: البعض يخلط بين التعليم والتربية والبعض الآخر يفصل بينهما، وانت هل تعتبر ان مهنة المدرسة هي التعليم فقط ام التعليم والتربية؟

قال: بنظري يمكن ان نقسم الموضوع قسمين: التعليم الابتدائي حتى المتوسط يجب ان يعتمد التربية اولا والتعليم ثانيا. وفي المرحلة الثانوية يصبح التعليم والتثقيف هنا الاساس. هذا اذا اردنا بكلمة التربية التكيف او اكتشاف ميول الطالب واستعداداته بحيث انه عندما يصل الى المرحلة الثانوية يكون قد وصل اللا الاختيار الذي يناسب هدفه وميله واستعداده وكفاءته. وهناك امر آخر غير التعليم وهو التوجيه والتثقيف أي ان الطال عندما يتخرج من التعليم الثانوي يجب ان يتوجه نحو الهدف الذي يناسبه ويصبح ملما بعض الشيء بالحوليات أي بما هو حاله، وهذا مع الاسف لم يتوافر بعد كما يجب في منهج التعليم الثانوي لا سيما في ما يتعلق بدراسة البيئة والحضارة، فالطالب الثانوي اليوم لا يدرك شيئا عن اسباب وجود الحضارة وتطورها ولا عن اسباب التحولات الطبيعية في حياته وما يتبعها من فكر.

وباختصار ان مناهج التعليم الثانوي تنقصها اشياء كثيرة. ينقصها الاهتمام بالدراسات الاجتماعية والمدنيات لدرجة ان ابن بيروت مثلا لا يعرف شيئا عن الهرمل وعن البقاع، ولا يعرف طبيعة الحياة في هذه المنطقة او تلك. ليس المهم تدريس الطالب تاريخ الحوادث التي مرت وانما المهم بنظري والاهم هو ان تدرسه البيئة التي يعيش فيها كذلك عن الجنوب وابن الهرمل والاسباب التي تكمن وراء تخلف هذه المنطقة او تلك يجب ان يتعلم الطالب لماذا هذا التأخر والتخلف، من المسؤول ولكي يستخلص من هذه الاسئلة تأثيرها الفعال على العالم.

ومضى مدير ثانوية الطريق الجديدة يقول: المدرسة ليست مصنعا، نحن لا نريد ان نصنع الطلاب، انما نريد ان نخلق افكارا ورجالا، نريد ان نكوّن هؤلاء الناس، ولا نريد ان نكتفي باعطائهم شهادة مرور لا اكثر ولا اقل.

- انا افهم من هذا، ان مناهجنا ما زالت متخلفة قياسا الى مناهج الدول المتقدمة.

* هذا الكلام ليس كله صحيحا، فمناهجنا ليست متخلفة وانما لم تتطور بعد التطور الكافي.

- تحتل ثانوية الطريق الجديدة شهرة واسعة ما هي اسباب هذه الشهرة وهل يعود اليك الفضل في ذلك؟

* ثقة الناس بهذه الثانوية وبمديرها دفعنا ثمنها من عمرنا وجهدنا وعزمنا ونحن فخورون بما قدمناه خصوصا اذا كانت المكافأة هي هذه الثقة.

 

وكان الحديث مع صاحب تجربة ربع قرن في التعليم الثانوي يمكن ان يطول ساعات وساعات وانما هدفنا هنا ان نعرف عالم التربية بشكل موجز سريع الى واحد من جنود المهنة الرسالة التي ترتكز قبل كل شيء على عنصر الطاقات البشرية المتكرسة لها.