الدراما وسيلة تربوية

الدراما وسيلة تربوية

 

المركز التربوي للبحوث والإنماء أخصائي الفنون الجميلة د. هشام زين الدينتتعدد عناوين النشاطات المدرسية التي تهدف إلى بناء شخصية التلميذ بناءً سليمًا ومتوازنًا.  ونطلق عليها تسميات مختلفة (صفية، لاصفية، لا منهجية، النوادي المدرسية الخ...) إلا أنها ومهما اختلفت تعريفاتها في الشكل يبقى مضمونها التربوي واحدًا، ويبقى مبرر وجودها في العملية التربوية هو تحقيق الأهداف العامة للتربية.

 

 

 

دور الدراما في العملية التربوية

من بين تلك النشاطات يبرز دور''الدراما'' بتسمياتها المتعددة (الدراما التربوية، الدراما الإبداعية، المسرح التربوي، التربية المسرحية) ويكتسب هذا النوع من النشاطات الفنية في المدرسة أهمية استثنائية نتيجة ميزات عدة أهمها:

١- الخصوصية البنيوية للدراما التي تجمع في تركيبتها أنواعاً متعددة من الفنون)التمثيل، الموسيقى، الغناء، الرقص، الرسم، الكتابة، الشعر) إضافة إلى المساعدة على تعلم المهارات على انواعها وكيفية استخدام التقنيات والمؤثرات المختلفة.

٢- الفعالية التربوية لهذا الفن من حيث تمكنه من اكتشاف القدرات وتعزيزها ووضعها في المسار الصحيح ومن ثم توجيهها إلى الغايات المرجوة.

٣- الحيوية والديناميكية التي تتيحها الممارسة الدرامية للتلميذ نظراً لابتعادها عن الروتين والملل وجفاف  بعض المواد التعليمية.

٤- مقاربة الأنشطة الدرامية للواقع المعيوش وارتباطها باهتمامات التلميذ وميوله ورغباته، واختبار إمكاناته وقدراته عن طريق التجربة، مما يؤدي إلى إعداده تربويًا واجتماعيًا وفكريًا ليكون مواطنًا صالحاً فاعلاً في مجتمعه ومتفاعلاً مع محيطه.

٥- احتواء الممارسة الدرامية على تمارين وأنشطة تؤثر في تكوين الشخصية من جوانبها كافة (اكتساب القدرة على التعبير من خلال الحركة والصوت، تعزيز القدع رلة ى الإحساس بالإيقاع والقدرة على التحليل والاستنتاج، الثقة بالنفس وتقبل الآخر، إيقاظ الملكات الكامنة، اكتساب المرونة الفكرية والجسدية، بناء منظومة علاقات مع الآخرين والاندماج في المحيط والتفاعل معه).

٦- اعتماد الدراما للترفيه والتسلية كمدخل إلى العملية التربوية لكي يصبح التعلم متعة بالنسبة للتلميذ وليس واجبًا مفروضًا عليه.

مشهد من احدى المسرحيات المدرسية

 

 

 

 

مساهمة الدراما في تحقيق الأهداف التربوية

نستنتج مما تقدم أن الإمكانات التي توفرها الدراما كوسيلة تربوية يمكن أن تسهم اسهاماً أكيداً وفاعلاً في تحقيق الأهداف التربوية ومنها :

١- اكتشاف قدرات المتعلم وتنميتها واختبارها من خلال التعبير الفني في نشاط يجمع بين العمل والتعلم والمتعة.

٢- الإسهام في تكامل شخصية المتعلم على الصعد الذهنية والنفسية والسلوكية والاجتماعية من خلال عمل يقرن التصور بالابتكار والإدراك بالفعل.

٣- ممارسة الفن كحاجة فردية واجتماعية.

٤- التواصل بين الذات والمعرفة والتجربة المعيوشة في ممارسة جمالية معبرة عن رغبات المجتمع في التطور والارتقاء.

إن إدخال المسرح التربوي إلى قلب العملية التربوية ضرورة لا بد منها بالرغم من المعوقات والمشكلات  المادية والتنظيمية التي تؤجل عملية انخراط الفنون بالتربية انخراطا حقيقياً وفاعلاً. وأمام هذا الواقع نجد أنه لا بد من التفكير مجدداً في كيفية الافادة من الإمكانات الهائلة للفنون عامة، والدراما جزء أساسي منها، في إعادة التوازن إلى مفهوم التعلم نفسه. فبناء شخصية التلميذ المواطن هي أحد أهم أهداف التربية الحديثة.  وهذا البناء لا يكون سليماً ومتوازناً وعصرياً إلا بتكامل العناصر المكونة له علمياً ومعرفياً وروحياً.

وتأكيداً على أهمية الدور التربوي للدراما والمسرح، لا بد من الإشارة إلى أن التربية المسرحية التي تسهم في إغناء شخصية المتعلم بأبعاد الفنون الجميلة، لا تهدف حصراً إلى تحقيق غايات فنية وجمالية، بل تتعدى ذلك إلى الأهداف التربوية العامة ، وذلك من خلال :

١- مساعدة المعلم في عملية التدريس.

٢- تمكين المتعلم من تنفيذ بعض الأنشطة واستخدام الوسائل في عملية التعلم.

٣- تنمية روح المشاركة والاختبار عند المتعلم داخل المدرسة وخارجها.

٤- تعزيز التواصل والتكامل بين المدرسة ومحيطها الخارجي.

٥- تسهيل إعداد المتعلم للحياة العملية(١).

التعبير من خلال الجسد

 

 

 

 

مشهد تمثيلي يحاكي الواقع - بائع الخضار

 

 

 

 

تجارب عالمية

المطالبة باعتماد التربية المسرحية كوسيلة تربوية لا تستند فقط إلى نظريات العاملين والمتخصصين في هذا الحقل، بل تنطلق من الخبرات العملية على أرض الواقع. وان كنا لا نزال في لبنان في مرحلة التجريب أو ما قبلها، فقد سبقتنا تجارب الآخرين في أوروبا وأميركا وبعض البلدان العربية، ووصلت إلى نتائج أدت إلى وضع برامج تم اعتمادها كجزء من المناهج التربوية، وفي بعض الأحيان تخطتها إلى استخدام المسرح والدراما في التنمية الاجتماعية والعلاج النفسي وتعزيز قدرات الموارد البشرية في الشركات والمؤسسات الخاصة.

ففي بريطانيا مثلاً، اعتُمدت الدراما كطريقة علاج للأمراض العصبية والنفسية في المستشفيات والعيادات الخاصة.

وفي الولايات المتحدة دخلت الدراما إلى المصانع والمؤسسات والشركات الخاصة من خلال فرق متخصصة تقوم بتدريب الموظفين والعاملين على استخدام الأساليب المسرحية للترفيه عن النفس، والتنفيس، والاسترخاء، وتجديد الحيوية. ويقول الناشط في هذا المجال روبرت لوي (Robert lOWE): "حين تعمل بهذه الأداة الفعالة سوف تحصل على درجات أعلى من الفائدة والكسب في مجالك العملي وتنمي إمكانات مؤسستك وتسّرِع في تطورك الشخصي"(٢).

أما على الصعيد التربوي فغالبية الدول الأوروبية والأميركية تعتمد التربية المسرحية في التعليم، وقد تم إدخالها في مناهج تلك الدول بعد اختبارها والتأكد من فعاليتها في تحقيق الأهداف التربوية والتنموية على  مدى عشرات السنين. وفي دراسة للأميركي بروس جويس (Bruce JOYCE) حول الموضوع، يعتبر الباحث أن القيام بتمثيل الأدوار كأسلوب للتدريس له جذوره في كل الجوانب الشخصية والاجتماعية في التربية.  كما يؤكد الاعتماد على الحركة والعمل في الصفة (النشاط). فلعب الأدوار يتيح للتلميذ التعامل مع المشكلات من خلال الفعل فيقوم بتحديد المشكلة ثم بتمثيلها ومناقشتها مع المجموعة داخل الصف. ويحدد الباحث أهداف العمل المسرحي داخل الصف كما يأتي:

١- الكشف عن مشاعر التلاميذ (علاقتهم بالموضوع المطروح).

٢- الغوص في اتجاهاتهم وميولهم وقيمهم ومدركاتهم.

٣- تنمية مهاراتهم وتلمس اتجاهات حل المشكلة المطروحة.

٤- ارتياد الموضوع (المادة الدراسية) بطرق غير تقليدية(٣).

 

تجارب عربية

لقد تأثرت بعض الدول العربية بالتجارب الأجنبية فقامت مصر والأردن وتونس والعراق (قبل الحرب، سنة ١٩٩٠) ودولة قطر بمحاولات جدية لدمج التجربة المسرحية في المناهج التعليمية ولاعتمادها كوسيلة تربوية.  وفي هذا المجال يقول الباحث العراقي الدكتور عقيل مهدي يوسف: ''الفنون المسرحية ذات قدرة  خلاقة ومرونة لا تضاهى في جعل الصورة المسرحية الواضحة والمفهومة وسيلة لتقريب ''التجريد" العلمي سواء في دروس الرياضيات والمجسمات والجبر والهندسة والفيزياء والكيمياء أو في اللغتين العربية والإنكليزية وعلوم الحياة والتجارب المخبرية المختلفة"(٤).

وحول التجربة المصرية في هذا المجال ينقل الدكتور حسن رزق عبد النبي: "وتجري في مصر تجربة ''مسرحة المناهج"... ويجري تحويل بعض المناهج والمواد المقررة إلى أعمال مسرحية تمثّلَ غالباً داخل الصف. والأطفال يؤدون الأدوار التمثيلية في هذه المسرحيات فترسخ في أذهانهم كممثلين ومتفرجين"(٥).

وفي الإطار ذاته أعدت الباحثة المصرية عايده شوقي دراسة بعنوان "مسرحة المناهج كوسيلة تربوية لتوضيح المناهج الدراسية" (٦) وأبرزت من خلالها الأهداف الآتية:

١- تشويق التلاميذ إلى الدروس.

٢- تثبيت المعلومات في أذهان التلاميذ.

٣- تجديد النشاط داخل الصف.

٤- تنمية توجهات التلاميذ الفكرية.

أما في دولة قطر فقد تم تنظيم أول مهرجان لمسرحة المناهج عام ١٩٨٤ تحت إشراف قسم التربية المسرحية في وزارة التربية شاركت فيه المدارس القطرية بنماذج دروس مسرحية، ولا يتسع المجال في هذا المقال للدخول في تفاصيل التجارب والنتائج والإحصاءات حول انتشار التجربة.

 

في لبنان

لا يمكن تحديد مدى انخراط الفن الدرامي (المسرحي) في العملية التربوية في المدارس اللبنانية، وذلك بسبب العشوائية في اعتماد هذا الفن كمادة تعليمية أو باعتباره للترفيه والتسلية فقط.

ولكن ما يمكن تأكيده هو أن استخدام المسرح كوسيلة تربوية من ضمن المنهج التعليمي لا يطبق إلا في بعض المدارس الخاصة والتي تعتمد مناهج تعليمية حديثة تحاكي في مضمونها الإنجازات الأجنبية في حقل التربية وتعتمد وسائلها التربوية، وفي هذه الحالات يتم إدخال المسرح كاحدى هذه الوسائل، لكن بطريقة منقولة نقلاً عن النسخة الأجنبية وليس نتيجة قناعة وخبرة تنبع من تجربتنا اللبنانية الخاصة.  لذلك نجد أن العديد من هذه المدارس تعتبر المسرح أداة لتعليم اللغة الأجنبية مثلاً، وهنا تكمن المشكلة، لانهم بهذه الطريقة إنما يستخدمون المسرح لتحقيق أهداف بعيدة عن تلك التي من اجلها ادخل إلى العملية التربوية. فتكون هذه المدارس قد أدخلت الشكل وأهملت المضمون.

تعبير جماعي

 

 

 

 

لكن تجدر الإشارة إلى الاهتمام المتزايد سنة بعد أخرى باعتماد الفن المسرحي في المدارس الخاصة، سواء بهدف إغراء الأهل من خلال الحفلات المسرحية، أو الإيحاء بالاهتمام بالجوانب النفسية والفنية للتلاميذ، أو لأهداف تربوية مدروسة في حالات قليلة.  وفي جميع الحالات يبدو واضحاً أن الدراما تشق طريقها إلى المدارس ولو بصعوبة وببطء.  وذلك بسبب مجموعة معوّقات أهمها عدم صدور القرار التربوي باعتماد الفنون ومنها الدراما كمواد إجرائية إلزامية للمدارس الرسمية والخاصة على السواء، مع العلم أن المركز التربوي للبحوث والإنماء قد أنجز تأليف الكتب ودليل المعلم للمراحل التعليمية كافة ولمواد المسرح والفنون التشكيلية والموسيقى، وبالرغم من التوصيات المتكررة الصادرة عن المركز التربوي والتي تؤكد على اهمية الفنون ودورها التربوي وعلى ضرورة اعتمادها في التعليم.  والى حين صدور هذا القرار ليس أمامنا إلا السعي والمطالبة المستمرة بإدخال الدراما إلى المدارس كون ذلك يعود بالفائدة الأكيدة على التلميذ الذي هو محور العملية التربوية، كما جاء في خطة النهوض التربوي، والذي من خلاله تنعكس الفائدة على البيئة التي يعيش فيها مما يسهم في رقي المجتمع وتنميته.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش

(١) مناهج التعليم العام وأهدافها ، المركز التربوي للبحوث والانماء، ١٩٩٧.

(٢) مؤسس Improvisation Incorporated . وهي مؤسسة تربوية استشارية تختص باستخدام اساليب الارتجال المسرحي في تطوير المؤسسات والتواصل في التجارة والاعمال والمجالات المهنية.

(٣) نقلاً عن المسرح التعليمي ص ١٨ – ١٩:

Joyce, Bruce, & other, Model of Teaching, New-jersey, Prentice-Hill inc. 1980

(٤) د. عقيل مهدي يوسف، التربية المسرحية في المدارس، دار الكندي، الاردن، ٢٠٠١ ، ص. ٨٢.

(٥) د. حسن رزق عبد النبي، المسرح التعليمي ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ١٩٩٣ ، ص. ١٦.

(٦) دراسة غير منشورة قدمت إلى حلقة تدريب موجهي التربية المسرحية بوزارة التربية والتعليم، المنعقدة بالإسكندرية عام ١٩٧٢.

الدراما وسيلة تربوية

الدراما وسيلة تربوية

 

المركز التربوي للبحوث والإنماء أخصائي الفنون الجميلة د. هشام زين الدينتتعدد عناوين النشاطات المدرسية التي تهدف إلى بناء شخصية التلميذ بناءً سليمًا ومتوازنًا.  ونطلق عليها تسميات مختلفة (صفية، لاصفية، لا منهجية، النوادي المدرسية الخ...) إلا أنها ومهما اختلفت تعريفاتها في الشكل يبقى مضمونها التربوي واحدًا، ويبقى مبرر وجودها في العملية التربوية هو تحقيق الأهداف العامة للتربية.

 

 

 

دور الدراما في العملية التربوية

من بين تلك النشاطات يبرز دور''الدراما'' بتسمياتها المتعددة (الدراما التربوية، الدراما الإبداعية، المسرح التربوي، التربية المسرحية) ويكتسب هذا النوع من النشاطات الفنية في المدرسة أهمية استثنائية نتيجة ميزات عدة أهمها:

١- الخصوصية البنيوية للدراما التي تجمع في تركيبتها أنواعاً متعددة من الفنون)التمثيل، الموسيقى، الغناء، الرقص، الرسم، الكتابة، الشعر) إضافة إلى المساعدة على تعلم المهارات على انواعها وكيفية استخدام التقنيات والمؤثرات المختلفة.

٢- الفعالية التربوية لهذا الفن من حيث تمكنه من اكتشاف القدرات وتعزيزها ووضعها في المسار الصحيح ومن ثم توجيهها إلى الغايات المرجوة.

٣- الحيوية والديناميكية التي تتيحها الممارسة الدرامية للتلميذ نظراً لابتعادها عن الروتين والملل وجفاف  بعض المواد التعليمية.

٤- مقاربة الأنشطة الدرامية للواقع المعيوش وارتباطها باهتمامات التلميذ وميوله ورغباته، واختبار إمكاناته وقدراته عن طريق التجربة، مما يؤدي إلى إعداده تربويًا واجتماعيًا وفكريًا ليكون مواطنًا صالحاً فاعلاً في مجتمعه ومتفاعلاً مع محيطه.

٥- احتواء الممارسة الدرامية على تمارين وأنشطة تؤثر في تكوين الشخصية من جوانبها كافة (اكتساب القدرة على التعبير من خلال الحركة والصوت، تعزيز القدع رلة ى الإحساس بالإيقاع والقدرة على التحليل والاستنتاج، الثقة بالنفس وتقبل الآخر، إيقاظ الملكات الكامنة، اكتساب المرونة الفكرية والجسدية، بناء منظومة علاقات مع الآخرين والاندماج في المحيط والتفاعل معه).

٦- اعتماد الدراما للترفيه والتسلية كمدخل إلى العملية التربوية لكي يصبح التعلم متعة بالنسبة للتلميذ وليس واجبًا مفروضًا عليه.

مشهد من احدى المسرحيات المدرسية

 

 

 

 

مساهمة الدراما في تحقيق الأهداف التربوية

نستنتج مما تقدم أن الإمكانات التي توفرها الدراما كوسيلة تربوية يمكن أن تسهم اسهاماً أكيداً وفاعلاً في تحقيق الأهداف التربوية ومنها :

١- اكتشاف قدرات المتعلم وتنميتها واختبارها من خلال التعبير الفني في نشاط يجمع بين العمل والتعلم والمتعة.

٢- الإسهام في تكامل شخصية المتعلم على الصعد الذهنية والنفسية والسلوكية والاجتماعية من خلال عمل يقرن التصور بالابتكار والإدراك بالفعل.

٣- ممارسة الفن كحاجة فردية واجتماعية.

٤- التواصل بين الذات والمعرفة والتجربة المعيوشة في ممارسة جمالية معبرة عن رغبات المجتمع في التطور والارتقاء.

إن إدخال المسرح التربوي إلى قلب العملية التربوية ضرورة لا بد منها بالرغم من المعوقات والمشكلات  المادية والتنظيمية التي تؤجل عملية انخراط الفنون بالتربية انخراطا حقيقياً وفاعلاً. وأمام هذا الواقع نجد أنه لا بد من التفكير مجدداً في كيفية الافادة من الإمكانات الهائلة للفنون عامة، والدراما جزء أساسي منها، في إعادة التوازن إلى مفهوم التعلم نفسه. فبناء شخصية التلميذ المواطن هي أحد أهم أهداف التربية الحديثة.  وهذا البناء لا يكون سليماً ومتوازناً وعصرياً إلا بتكامل العناصر المكونة له علمياً ومعرفياً وروحياً.

وتأكيداً على أهمية الدور التربوي للدراما والمسرح، لا بد من الإشارة إلى أن التربية المسرحية التي تسهم في إغناء شخصية المتعلم بأبعاد الفنون الجميلة، لا تهدف حصراً إلى تحقيق غايات فنية وجمالية، بل تتعدى ذلك إلى الأهداف التربوية العامة ، وذلك من خلال :

١- مساعدة المعلم في عملية التدريس.

٢- تمكين المتعلم من تنفيذ بعض الأنشطة واستخدام الوسائل في عملية التعلم.

٣- تنمية روح المشاركة والاختبار عند المتعلم داخل المدرسة وخارجها.

٤- تعزيز التواصل والتكامل بين المدرسة ومحيطها الخارجي.

٥- تسهيل إعداد المتعلم للحياة العملية(١).

التعبير من خلال الجسد

 

 

 

 

مشهد تمثيلي يحاكي الواقع - بائع الخضار

 

 

 

 

تجارب عالمية

المطالبة باعتماد التربية المسرحية كوسيلة تربوية لا تستند فقط إلى نظريات العاملين والمتخصصين في هذا الحقل، بل تنطلق من الخبرات العملية على أرض الواقع. وان كنا لا نزال في لبنان في مرحلة التجريب أو ما قبلها، فقد سبقتنا تجارب الآخرين في أوروبا وأميركا وبعض البلدان العربية، ووصلت إلى نتائج أدت إلى وضع برامج تم اعتمادها كجزء من المناهج التربوية، وفي بعض الأحيان تخطتها إلى استخدام المسرح والدراما في التنمية الاجتماعية والعلاج النفسي وتعزيز قدرات الموارد البشرية في الشركات والمؤسسات الخاصة.

ففي بريطانيا مثلاً، اعتُمدت الدراما كطريقة علاج للأمراض العصبية والنفسية في المستشفيات والعيادات الخاصة.

وفي الولايات المتحدة دخلت الدراما إلى المصانع والمؤسسات والشركات الخاصة من خلال فرق متخصصة تقوم بتدريب الموظفين والعاملين على استخدام الأساليب المسرحية للترفيه عن النفس، والتنفيس، والاسترخاء، وتجديد الحيوية. ويقول الناشط في هذا المجال روبرت لوي (Robert lOWE): "حين تعمل بهذه الأداة الفعالة سوف تحصل على درجات أعلى من الفائدة والكسب في مجالك العملي وتنمي إمكانات مؤسستك وتسّرِع في تطورك الشخصي"(٢).

أما على الصعيد التربوي فغالبية الدول الأوروبية والأميركية تعتمد التربية المسرحية في التعليم، وقد تم إدخالها في مناهج تلك الدول بعد اختبارها والتأكد من فعاليتها في تحقيق الأهداف التربوية والتنموية على  مدى عشرات السنين. وفي دراسة للأميركي بروس جويس (Bruce JOYCE) حول الموضوع، يعتبر الباحث أن القيام بتمثيل الأدوار كأسلوب للتدريس له جذوره في كل الجوانب الشخصية والاجتماعية في التربية.  كما يؤكد الاعتماد على الحركة والعمل في الصفة (النشاط). فلعب الأدوار يتيح للتلميذ التعامل مع المشكلات من خلال الفعل فيقوم بتحديد المشكلة ثم بتمثيلها ومناقشتها مع المجموعة داخل الصف. ويحدد الباحث أهداف العمل المسرحي داخل الصف كما يأتي:

١- الكشف عن مشاعر التلاميذ (علاقتهم بالموضوع المطروح).

٢- الغوص في اتجاهاتهم وميولهم وقيمهم ومدركاتهم.

٣- تنمية مهاراتهم وتلمس اتجاهات حل المشكلة المطروحة.

٤- ارتياد الموضوع (المادة الدراسية) بطرق غير تقليدية(٣).

 

تجارب عربية

لقد تأثرت بعض الدول العربية بالتجارب الأجنبية فقامت مصر والأردن وتونس والعراق (قبل الحرب، سنة ١٩٩٠) ودولة قطر بمحاولات جدية لدمج التجربة المسرحية في المناهج التعليمية ولاعتمادها كوسيلة تربوية.  وفي هذا المجال يقول الباحث العراقي الدكتور عقيل مهدي يوسف: ''الفنون المسرحية ذات قدرة  خلاقة ومرونة لا تضاهى في جعل الصورة المسرحية الواضحة والمفهومة وسيلة لتقريب ''التجريد" العلمي سواء في دروس الرياضيات والمجسمات والجبر والهندسة والفيزياء والكيمياء أو في اللغتين العربية والإنكليزية وعلوم الحياة والتجارب المخبرية المختلفة"(٤).

وحول التجربة المصرية في هذا المجال ينقل الدكتور حسن رزق عبد النبي: "وتجري في مصر تجربة ''مسرحة المناهج"... ويجري تحويل بعض المناهج والمواد المقررة إلى أعمال مسرحية تمثّلَ غالباً داخل الصف. والأطفال يؤدون الأدوار التمثيلية في هذه المسرحيات فترسخ في أذهانهم كممثلين ومتفرجين"(٥).

وفي الإطار ذاته أعدت الباحثة المصرية عايده شوقي دراسة بعنوان "مسرحة المناهج كوسيلة تربوية لتوضيح المناهج الدراسية" (٦) وأبرزت من خلالها الأهداف الآتية:

١- تشويق التلاميذ إلى الدروس.

٢- تثبيت المعلومات في أذهان التلاميذ.

٣- تجديد النشاط داخل الصف.

٤- تنمية توجهات التلاميذ الفكرية.

أما في دولة قطر فقد تم تنظيم أول مهرجان لمسرحة المناهج عام ١٩٨٤ تحت إشراف قسم التربية المسرحية في وزارة التربية شاركت فيه المدارس القطرية بنماذج دروس مسرحية، ولا يتسع المجال في هذا المقال للدخول في تفاصيل التجارب والنتائج والإحصاءات حول انتشار التجربة.

 

في لبنان

لا يمكن تحديد مدى انخراط الفن الدرامي (المسرحي) في العملية التربوية في المدارس اللبنانية، وذلك بسبب العشوائية في اعتماد هذا الفن كمادة تعليمية أو باعتباره للترفيه والتسلية فقط.

ولكن ما يمكن تأكيده هو أن استخدام المسرح كوسيلة تربوية من ضمن المنهج التعليمي لا يطبق إلا في بعض المدارس الخاصة والتي تعتمد مناهج تعليمية حديثة تحاكي في مضمونها الإنجازات الأجنبية في حقل التربية وتعتمد وسائلها التربوية، وفي هذه الحالات يتم إدخال المسرح كاحدى هذه الوسائل، لكن بطريقة منقولة نقلاً عن النسخة الأجنبية وليس نتيجة قناعة وخبرة تنبع من تجربتنا اللبنانية الخاصة.  لذلك نجد أن العديد من هذه المدارس تعتبر المسرح أداة لتعليم اللغة الأجنبية مثلاً، وهنا تكمن المشكلة، لانهم بهذه الطريقة إنما يستخدمون المسرح لتحقيق أهداف بعيدة عن تلك التي من اجلها ادخل إلى العملية التربوية. فتكون هذه المدارس قد أدخلت الشكل وأهملت المضمون.

تعبير جماعي

 

 

 

 

لكن تجدر الإشارة إلى الاهتمام المتزايد سنة بعد أخرى باعتماد الفن المسرحي في المدارس الخاصة، سواء بهدف إغراء الأهل من خلال الحفلات المسرحية، أو الإيحاء بالاهتمام بالجوانب النفسية والفنية للتلاميذ، أو لأهداف تربوية مدروسة في حالات قليلة.  وفي جميع الحالات يبدو واضحاً أن الدراما تشق طريقها إلى المدارس ولو بصعوبة وببطء.  وذلك بسبب مجموعة معوّقات أهمها عدم صدور القرار التربوي باعتماد الفنون ومنها الدراما كمواد إجرائية إلزامية للمدارس الرسمية والخاصة على السواء، مع العلم أن المركز التربوي للبحوث والإنماء قد أنجز تأليف الكتب ودليل المعلم للمراحل التعليمية كافة ولمواد المسرح والفنون التشكيلية والموسيقى، وبالرغم من التوصيات المتكررة الصادرة عن المركز التربوي والتي تؤكد على اهمية الفنون ودورها التربوي وعلى ضرورة اعتمادها في التعليم.  والى حين صدور هذا القرار ليس أمامنا إلا السعي والمطالبة المستمرة بإدخال الدراما إلى المدارس كون ذلك يعود بالفائدة الأكيدة على التلميذ الذي هو محور العملية التربوية، كما جاء في خطة النهوض التربوي، والذي من خلاله تنعكس الفائدة على البيئة التي يعيش فيها مما يسهم في رقي المجتمع وتنميته.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش

(١) مناهج التعليم العام وأهدافها ، المركز التربوي للبحوث والانماء، ١٩٩٧.

(٢) مؤسس Improvisation Incorporated . وهي مؤسسة تربوية استشارية تختص باستخدام اساليب الارتجال المسرحي في تطوير المؤسسات والتواصل في التجارة والاعمال والمجالات المهنية.

(٣) نقلاً عن المسرح التعليمي ص ١٨ – ١٩:

Joyce, Bruce, & other, Model of Teaching, New-jersey, Prentice-Hill inc. 1980

(٤) د. عقيل مهدي يوسف، التربية المسرحية في المدارس، دار الكندي، الاردن، ٢٠٠١ ، ص. ٨٢.

(٥) د. حسن رزق عبد النبي، المسرح التعليمي ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ١٩٩٣ ، ص. ١٦.

(٦) دراسة غير منشورة قدمت إلى حلقة تدريب موجهي التربية المسرحية بوزارة التربية والتعليم، المنعقدة بالإسكندرية عام ١٩٧٢.

الدراما وسيلة تربوية

الدراما وسيلة تربوية

 

المركز التربوي للبحوث والإنماء أخصائي الفنون الجميلة د. هشام زين الدينتتعدد عناوين النشاطات المدرسية التي تهدف إلى بناء شخصية التلميذ بناءً سليمًا ومتوازنًا.  ونطلق عليها تسميات مختلفة (صفية، لاصفية، لا منهجية، النوادي المدرسية الخ...) إلا أنها ومهما اختلفت تعريفاتها في الشكل يبقى مضمونها التربوي واحدًا، ويبقى مبرر وجودها في العملية التربوية هو تحقيق الأهداف العامة للتربية.

 

 

 

دور الدراما في العملية التربوية

من بين تلك النشاطات يبرز دور''الدراما'' بتسمياتها المتعددة (الدراما التربوية، الدراما الإبداعية، المسرح التربوي، التربية المسرحية) ويكتسب هذا النوع من النشاطات الفنية في المدرسة أهمية استثنائية نتيجة ميزات عدة أهمها:

١- الخصوصية البنيوية للدراما التي تجمع في تركيبتها أنواعاً متعددة من الفنون)التمثيل، الموسيقى، الغناء، الرقص، الرسم، الكتابة، الشعر) إضافة إلى المساعدة على تعلم المهارات على انواعها وكيفية استخدام التقنيات والمؤثرات المختلفة.

٢- الفعالية التربوية لهذا الفن من حيث تمكنه من اكتشاف القدرات وتعزيزها ووضعها في المسار الصحيح ومن ثم توجيهها إلى الغايات المرجوة.

٣- الحيوية والديناميكية التي تتيحها الممارسة الدرامية للتلميذ نظراً لابتعادها عن الروتين والملل وجفاف  بعض المواد التعليمية.

٤- مقاربة الأنشطة الدرامية للواقع المعيوش وارتباطها باهتمامات التلميذ وميوله ورغباته، واختبار إمكاناته وقدراته عن طريق التجربة، مما يؤدي إلى إعداده تربويًا واجتماعيًا وفكريًا ليكون مواطنًا صالحاً فاعلاً في مجتمعه ومتفاعلاً مع محيطه.

٥- احتواء الممارسة الدرامية على تمارين وأنشطة تؤثر في تكوين الشخصية من جوانبها كافة (اكتساب القدرة على التعبير من خلال الحركة والصوت، تعزيز القدع رلة ى الإحساس بالإيقاع والقدرة على التحليل والاستنتاج، الثقة بالنفس وتقبل الآخر، إيقاظ الملكات الكامنة، اكتساب المرونة الفكرية والجسدية، بناء منظومة علاقات مع الآخرين والاندماج في المحيط والتفاعل معه).

٦- اعتماد الدراما للترفيه والتسلية كمدخل إلى العملية التربوية لكي يصبح التعلم متعة بالنسبة للتلميذ وليس واجبًا مفروضًا عليه.

مشهد من احدى المسرحيات المدرسية

 

 

 

 

مساهمة الدراما في تحقيق الأهداف التربوية

نستنتج مما تقدم أن الإمكانات التي توفرها الدراما كوسيلة تربوية يمكن أن تسهم اسهاماً أكيداً وفاعلاً في تحقيق الأهداف التربوية ومنها :

١- اكتشاف قدرات المتعلم وتنميتها واختبارها من خلال التعبير الفني في نشاط يجمع بين العمل والتعلم والمتعة.

٢- الإسهام في تكامل شخصية المتعلم على الصعد الذهنية والنفسية والسلوكية والاجتماعية من خلال عمل يقرن التصور بالابتكار والإدراك بالفعل.

٣- ممارسة الفن كحاجة فردية واجتماعية.

٤- التواصل بين الذات والمعرفة والتجربة المعيوشة في ممارسة جمالية معبرة عن رغبات المجتمع في التطور والارتقاء.

إن إدخال المسرح التربوي إلى قلب العملية التربوية ضرورة لا بد منها بالرغم من المعوقات والمشكلات  المادية والتنظيمية التي تؤجل عملية انخراط الفنون بالتربية انخراطا حقيقياً وفاعلاً. وأمام هذا الواقع نجد أنه لا بد من التفكير مجدداً في كيفية الافادة من الإمكانات الهائلة للفنون عامة، والدراما جزء أساسي منها، في إعادة التوازن إلى مفهوم التعلم نفسه. فبناء شخصية التلميذ المواطن هي أحد أهم أهداف التربية الحديثة.  وهذا البناء لا يكون سليماً ومتوازناً وعصرياً إلا بتكامل العناصر المكونة له علمياً ومعرفياً وروحياً.

وتأكيداً على أهمية الدور التربوي للدراما والمسرح، لا بد من الإشارة إلى أن التربية المسرحية التي تسهم في إغناء شخصية المتعلم بأبعاد الفنون الجميلة، لا تهدف حصراً إلى تحقيق غايات فنية وجمالية، بل تتعدى ذلك إلى الأهداف التربوية العامة ، وذلك من خلال :

١- مساعدة المعلم في عملية التدريس.

٢- تمكين المتعلم من تنفيذ بعض الأنشطة واستخدام الوسائل في عملية التعلم.

٣- تنمية روح المشاركة والاختبار عند المتعلم داخل المدرسة وخارجها.

٤- تعزيز التواصل والتكامل بين المدرسة ومحيطها الخارجي.

٥- تسهيل إعداد المتعلم للحياة العملية(١).

التعبير من خلال الجسد

 

 

 

 

مشهد تمثيلي يحاكي الواقع - بائع الخضار

 

 

 

 

تجارب عالمية

المطالبة باعتماد التربية المسرحية كوسيلة تربوية لا تستند فقط إلى نظريات العاملين والمتخصصين في هذا الحقل، بل تنطلق من الخبرات العملية على أرض الواقع. وان كنا لا نزال في لبنان في مرحلة التجريب أو ما قبلها، فقد سبقتنا تجارب الآخرين في أوروبا وأميركا وبعض البلدان العربية، ووصلت إلى نتائج أدت إلى وضع برامج تم اعتمادها كجزء من المناهج التربوية، وفي بعض الأحيان تخطتها إلى استخدام المسرح والدراما في التنمية الاجتماعية والعلاج النفسي وتعزيز قدرات الموارد البشرية في الشركات والمؤسسات الخاصة.

ففي بريطانيا مثلاً، اعتُمدت الدراما كطريقة علاج للأمراض العصبية والنفسية في المستشفيات والعيادات الخاصة.

وفي الولايات المتحدة دخلت الدراما إلى المصانع والمؤسسات والشركات الخاصة من خلال فرق متخصصة تقوم بتدريب الموظفين والعاملين على استخدام الأساليب المسرحية للترفيه عن النفس، والتنفيس، والاسترخاء، وتجديد الحيوية. ويقول الناشط في هذا المجال روبرت لوي (Robert lOWE): "حين تعمل بهذه الأداة الفعالة سوف تحصل على درجات أعلى من الفائدة والكسب في مجالك العملي وتنمي إمكانات مؤسستك وتسّرِع في تطورك الشخصي"(٢).

أما على الصعيد التربوي فغالبية الدول الأوروبية والأميركية تعتمد التربية المسرحية في التعليم، وقد تم إدخالها في مناهج تلك الدول بعد اختبارها والتأكد من فعاليتها في تحقيق الأهداف التربوية والتنموية على  مدى عشرات السنين. وفي دراسة للأميركي بروس جويس (Bruce JOYCE) حول الموضوع، يعتبر الباحث أن القيام بتمثيل الأدوار كأسلوب للتدريس له جذوره في كل الجوانب الشخصية والاجتماعية في التربية.  كما يؤكد الاعتماد على الحركة والعمل في الصفة (النشاط). فلعب الأدوار يتيح للتلميذ التعامل مع المشكلات من خلال الفعل فيقوم بتحديد المشكلة ثم بتمثيلها ومناقشتها مع المجموعة داخل الصف. ويحدد الباحث أهداف العمل المسرحي داخل الصف كما يأتي:

١- الكشف عن مشاعر التلاميذ (علاقتهم بالموضوع المطروح).

٢- الغوص في اتجاهاتهم وميولهم وقيمهم ومدركاتهم.

٣- تنمية مهاراتهم وتلمس اتجاهات حل المشكلة المطروحة.

٤- ارتياد الموضوع (المادة الدراسية) بطرق غير تقليدية(٣).

 

تجارب عربية

لقد تأثرت بعض الدول العربية بالتجارب الأجنبية فقامت مصر والأردن وتونس والعراق (قبل الحرب، سنة ١٩٩٠) ودولة قطر بمحاولات جدية لدمج التجربة المسرحية في المناهج التعليمية ولاعتمادها كوسيلة تربوية.  وفي هذا المجال يقول الباحث العراقي الدكتور عقيل مهدي يوسف: ''الفنون المسرحية ذات قدرة  خلاقة ومرونة لا تضاهى في جعل الصورة المسرحية الواضحة والمفهومة وسيلة لتقريب ''التجريد" العلمي سواء في دروس الرياضيات والمجسمات والجبر والهندسة والفيزياء والكيمياء أو في اللغتين العربية والإنكليزية وعلوم الحياة والتجارب المخبرية المختلفة"(٤).

وحول التجربة المصرية في هذا المجال ينقل الدكتور حسن رزق عبد النبي: "وتجري في مصر تجربة ''مسرحة المناهج"... ويجري تحويل بعض المناهج والمواد المقررة إلى أعمال مسرحية تمثّلَ غالباً داخل الصف. والأطفال يؤدون الأدوار التمثيلية في هذه المسرحيات فترسخ في أذهانهم كممثلين ومتفرجين"(٥).

وفي الإطار ذاته أعدت الباحثة المصرية عايده شوقي دراسة بعنوان "مسرحة المناهج كوسيلة تربوية لتوضيح المناهج الدراسية" (٦) وأبرزت من خلالها الأهداف الآتية:

١- تشويق التلاميذ إلى الدروس.

٢- تثبيت المعلومات في أذهان التلاميذ.

٣- تجديد النشاط داخل الصف.

٤- تنمية توجهات التلاميذ الفكرية.

أما في دولة قطر فقد تم تنظيم أول مهرجان لمسرحة المناهج عام ١٩٨٤ تحت إشراف قسم التربية المسرحية في وزارة التربية شاركت فيه المدارس القطرية بنماذج دروس مسرحية، ولا يتسع المجال في هذا المقال للدخول في تفاصيل التجارب والنتائج والإحصاءات حول انتشار التجربة.

 

في لبنان

لا يمكن تحديد مدى انخراط الفن الدرامي (المسرحي) في العملية التربوية في المدارس اللبنانية، وذلك بسبب العشوائية في اعتماد هذا الفن كمادة تعليمية أو باعتباره للترفيه والتسلية فقط.

ولكن ما يمكن تأكيده هو أن استخدام المسرح كوسيلة تربوية من ضمن المنهج التعليمي لا يطبق إلا في بعض المدارس الخاصة والتي تعتمد مناهج تعليمية حديثة تحاكي في مضمونها الإنجازات الأجنبية في حقل التربية وتعتمد وسائلها التربوية، وفي هذه الحالات يتم إدخال المسرح كاحدى هذه الوسائل، لكن بطريقة منقولة نقلاً عن النسخة الأجنبية وليس نتيجة قناعة وخبرة تنبع من تجربتنا اللبنانية الخاصة.  لذلك نجد أن العديد من هذه المدارس تعتبر المسرح أداة لتعليم اللغة الأجنبية مثلاً، وهنا تكمن المشكلة، لانهم بهذه الطريقة إنما يستخدمون المسرح لتحقيق أهداف بعيدة عن تلك التي من اجلها ادخل إلى العملية التربوية. فتكون هذه المدارس قد أدخلت الشكل وأهملت المضمون.

تعبير جماعي

 

 

 

 

لكن تجدر الإشارة إلى الاهتمام المتزايد سنة بعد أخرى باعتماد الفن المسرحي في المدارس الخاصة، سواء بهدف إغراء الأهل من خلال الحفلات المسرحية، أو الإيحاء بالاهتمام بالجوانب النفسية والفنية للتلاميذ، أو لأهداف تربوية مدروسة في حالات قليلة.  وفي جميع الحالات يبدو واضحاً أن الدراما تشق طريقها إلى المدارس ولو بصعوبة وببطء.  وذلك بسبب مجموعة معوّقات أهمها عدم صدور القرار التربوي باعتماد الفنون ومنها الدراما كمواد إجرائية إلزامية للمدارس الرسمية والخاصة على السواء، مع العلم أن المركز التربوي للبحوث والإنماء قد أنجز تأليف الكتب ودليل المعلم للمراحل التعليمية كافة ولمواد المسرح والفنون التشكيلية والموسيقى، وبالرغم من التوصيات المتكررة الصادرة عن المركز التربوي والتي تؤكد على اهمية الفنون ودورها التربوي وعلى ضرورة اعتمادها في التعليم.  والى حين صدور هذا القرار ليس أمامنا إلا السعي والمطالبة المستمرة بإدخال الدراما إلى المدارس كون ذلك يعود بالفائدة الأكيدة على التلميذ الذي هو محور العملية التربوية، كما جاء في خطة النهوض التربوي، والذي من خلاله تنعكس الفائدة على البيئة التي يعيش فيها مما يسهم في رقي المجتمع وتنميته.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش

(١) مناهج التعليم العام وأهدافها ، المركز التربوي للبحوث والانماء، ١٩٩٧.

(٢) مؤسس Improvisation Incorporated . وهي مؤسسة تربوية استشارية تختص باستخدام اساليب الارتجال المسرحي في تطوير المؤسسات والتواصل في التجارة والاعمال والمجالات المهنية.

(٣) نقلاً عن المسرح التعليمي ص ١٨ – ١٩:

Joyce, Bruce, & other, Model of Teaching, New-jersey, Prentice-Hill inc. 1980

(٤) د. عقيل مهدي يوسف، التربية المسرحية في المدارس، دار الكندي، الاردن، ٢٠٠١ ، ص. ٨٢.

(٥) د. حسن رزق عبد النبي، المسرح التعليمي ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ١٩٩٣ ، ص. ١٦.

(٦) دراسة غير منشورة قدمت إلى حلقة تدريب موجهي التربية المسرحية بوزارة التربية والتعليم، المنعقدة بالإسكندرية عام ١٩٧٢.