الأخوان رحباني الفن في خدمة الإنسان
الأخوان رحباني الفن في خدمة الإنسان
انطلقت مسيرة الأخوين رحباني الفنية من الشاطئ اللبناني ومن أنطلياس بالذات. من الشاطئ الفينيقي أبحر عاصي ومنصور بزورقهما الفنّي لملاقاة ومعانقة كل الأخوة في الإنسانية. فالفينيقيون لم يفرضوا شيئاً بالقوة وهم جماعة لم تلجأ إلى الحرب والغزوات بل إلى الكلمة والتعامل الديبلوماسي. والفكر الفينيقي هو فكر كونيّ إنسانيّ.
هذا الانفتاح، وهذه الروح الكونية ظهرا جلياً في أعمال منصور الرحباني الأخيرة، في مرحلة النضج الفنيّ والفكري الفلسفيّ.
''بصباح الألف التالت بعد في جوع
في أطفال مشرَّدين وبكي ودموع
إنت مين أنا ما بسأل
لكن حزنك قلّي مين
أنا ما بعرف أيّ لون وأيّ دين
بعرف إنك خَيي
خَيي بالإنسانية''
صرخة مدوّية أطلقها منصور المتألّم ممّا يجري على الساحة العالمية من انتهاكات لحقوق الإنسان. وفي التمهيد لمسرحية ''عودة الفينيق'' يقول منصور الرحباني مخاطباً طائر الأسطورة العجيب:
" وإنت يا طير الفينيق بتحترق كل خمسين سنة بالعنبر فوق هياكلنا
وبترجع من رمادك تعيش بعد تلات ايام، إنت الشعر والحق والحرية''.
يبدو جلياً أن الشاعر هو المدافع عن الحقوق والحريات. فهذا الطائر هو الشاعر صاحب الرسالة، رسالة الدفاع عن الإنسان.
طائر الفينيق هو الحق والحق لا يموت! طائر الفينيق هو الحرية التي تعود وتنبعث من رمادها!
في قصيدته الشهيرة ''ألباتروس L'Albatros'' يشبّه الشاعر الفرنسي شارل بودلير '' Charles Baudelaire نفسه بطائر ''ألباتروس L'Albatros الذي يتألم لأن الناس يهزأون منه، يعذبونه ويضطهدونه. فينطرح بثقله مكسور الجناحين غير قادر على المقاومة.
شتاّن ما بين ''ألباتروس L'Albatros وطير الفينيق! طائر الفينيق لا يُقهر. لا أحد يستطيع أن يصرعه ''ولا أحد يستطيع أن يقف بوجه الكلمة'' كما يقول منصور الرحباني، وكما تقول ماريّا لديب في مسرحية ''ناس من ورق''، ''الكلمة عالمسرح بتوصل عالقلب بتهدر بتضج وبتغيّر''.
والتغيير لا يكون إلاّ في سبيل الإنسانية واحترام الإنسان. وإذا أردنا معرفة ما إذا كان الإنسان محترماً لا بدّ لنا من العودة إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي وضعته الأمم المتحدة في ١٠ كانون الأول ١٩٤٨ تزامناً مع بدء مسيرة الأخوين رحباني الفنية.
الفقرة الأولى للمادة الثانية للإعلان تنص:
''لكل إنسان جميع الحقوق والحريات المثبتة في هذا الإعلان. دونما أي تمييز، لا سيما في العرق، واللون، والجنس، واللغة، والدين. وفي الآراء السياسية أو غيرها من الآراء. وفي الأصل القومي أو الاجتماعي. وفي الثروة والنسب وما إليهما''، والمادة الثامنة عشرة من الإعلان تنص:
''لكل إنسان الحق في حرية الفكر، والضمير، والدين. وهذا الحق يوليه الحرية في تغيير دينه أو معتقده. ويوليه كذلك الحرية في الاعراب عنها بالتعليم والممارسة والعبادة''.
اليوم وبعد وفاة منصور الرحباني قررت معالي وزيرة التربية والتعليم العالي السيدة بهية الحريري ووزير الثقافة والتعليم العالي الأستاذ تمّام سلام ورئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء الدكتورة ليلى مليحة فيّاض تكريم الأخوين رحباني وذلك باعتماد الفن الرحبانيّ في البرامج التعليمية.
خطوة جريئة ومباركة!
هنيئاً لطلاب لبنان!
فإنهم سيتعرّفون على عاصي ومنصور من خلال البرامج التربوية في كتاب الأدب والموسيقى والمسرح.
اللغة العاميّة اللبنانية في المدرسة! حلم يتحقق!
الزجل اللبناني الأصيل الذي أعاد إحياءه عاصي ومنصور أصبح على صفحات الكتاب المدرسي!
هنيئاً لعاصي ومنصور! إنه أرفعُ وسام تقدير يمنحه لبنان إلى من أسهم إسهاماً فعّالاً في بنائه وبناء الإنسان فيه.
لقد صدق منصور الرحباني! الشاعر كطائر الفينيق، لا يموت!
وسيعود وينبعث في مطلع كل عام دراسي من حقائب طلاّبنا، وعلى مسارح مدارسنا. سينبعث من دفاتر أشعار أولادنا وآلاتهم الموسيقية!
في هذا العدد الخاص من المجلة التربوية حاولنا مع مجموعة من الباحثين والاختصاصيّين التعريف بفن الأخوين رحباني مسرحاً وشعراً وموسيقى. كما حاولنا إلقاء الضوء على بعض المواضيع التي تطرّقا إليها فوجدناها بأغلبيّتها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان: المواطنية، العدالة والمساواة، الحرية وحرية الرأي والمعتقد، المسامحة وثقافة السلام، قبول الآخر... وغيرها من المواضيع كالحب، والتعلّق بالأرض والتاريخ والتراث والإيمان إلخ...
فمن ''عصفور الدوري'' الذي يعشعش بين القرميد الأحمر في البيوت اللبنانية الجميلة ومن ''حجل صنين'' و''طير الورواو'' إلى ''طائر الفينيق'' مسيرة فنية طويلة وإرث حضاري وثقافي كلّف الأخوين رحباني الكثير من الجهد والعناء والعمل المتواصل الدؤوب.
من ''تلاتها الحلوين''، من ''حفافي العنب والتين'' إلى هياكل بعلبك إلى قصة مملكة جبيل في ''عودة الفينيق'' لمنصور الرحباني، رحلة طويلة رافقت فيها السيدة فيروز الأخوين رحباني بصوتها الناعم الذي يدعو إلى الارتقاء وارتفاع القلوب إلى العلى.
بناءً عليه فإن وزارة التربية والتعليم العالي ووزارة الثقافة والمركز التربوي للبحوث والإنماء يتمنون على وسائل الإعلام التركيز على الأغنية اللبنانية والموسيقى اللبنانية والمسرح اللبناني وذلك لتنمية حسّ المواطنية والوطنية عند الأطفال والشباب. فتكون هذه الوسائل بذلك قد أسهمت مع المدرسة والجامعة إسهاماً فعّالاً في بناء الشخصية اللبنانية والإنسانية الفريدة.
ميني الزعني كلنك