سعيد عقل شلاّلٌَ من القِيم والشِّيم
سعيد عقل شلاّلٌَ من القِيم والشِّيم
كلمة سعادة السفير فؤاد الترك هي اعتراف تلميذٍ بفضل معلّمِه. سعيد عقل هو مثله الأعلى ويبدو جليّاً أنه ترك أثرًا كبيرًا في بناء شخصيّة فؤاد الترك الدبلوماسي اللاّمع الذي حمل لبنان النبوغ والإبداع، كما يراه سعيد عقل، إلى أعلى المنابر الدولية محاولاً تطبيق مقولة أستاذه الكبير: ''السياسة فنّ الممكن بل إنّ السياسة فنّ المستحيل'' ويعترف السفير الترك أنه تعلّم الأخلاقيات السياسية من أستاذه سعيد عقل وقد عبّر عن ذلك بقوله: ''إذا أردتَ أن تقيّمَ إنسانًا ما جرّدِه من ثلاثة: لقبه وأملاكه وأرصدته في المصارف، فإذا بقي لديه غير ذلك قل: هذا رجل''. السفير فؤاد الترك الذي اتّخذ له شعارًا: ''أنا عاملٌ عند ربِّ عملٍ واحدٍ هو لبنان'' هو تلميذ ''الكليّة الشرقيّة'' في مدينة زحلة من حيث انطلقت منارة سعيد عقل الفكريّةَ والروحيّةَ والأدبيّةَ.
أسرة التحرير
سعيد عقل هو المكرّم كل يوم في كل عقل وقلب ووجدان،
وهو الذي سبق وقال: ''تكرّمه الدّول الشعر؟ دعك ليبقى غدًا وتدول الدّول''
وهو المجّرَد من الألقاب والتسميات والنعوت ليصبح الاسم وحده النعت والتسمية واللقب،
والمعتذر عن تقبّلُ الدكتورات الفخرية التي شاءت جامعات عديدة منحه إيّاها،
والممتنع عن تقبّلُ الأوسمة الرفيعة اللبنانية والأجنبية التي عُرِضَت عليه من العديد من الدول،
هذا المتربّعِ على عرش الشعر والنثر وهذا الأمير على المنبر،
هذا العالِم والفيلسوف واللاهوتي،
هذا المتعدّد المعرفة والنبوغ والعبقرية،
هذا الشلاّل من القيم والشيم،
هذا المفتون بثالوث الحقّ والخير والجمال،
هذا الذي أخذت عنه الأجيال أنّ لبنان لا يُقاس بالديمغرافيا
والجغرافيا بل بالتبادع وبالجودة والنوعيّةَ والإشعاع وبمدى قدرته على الإسهام الحضاري، وبالطموح والرؤى،
وأخذتُ عنه كيف نحلم وكيف نرنو دومًا إلى ما هو أسمى وأرقى،
وإلى ما هو تجدّدُ وابتكار واستضاءات عقل،
وكيف نحبّ هذا اللّبنان مقيمًا ومنتشرًا،
وأخذتُ عنه كيف تكون النبالة والمثل العليا، وكيف يكون الشرف، وكيف تكون الكرامة وكيف يكون الكرم،
وأخذتُ عنه أن لا تتحكّم فينا شهوة المال ولا شهوة السلطة ولا شهوة الجسد،
وأخذتُ عنه أن الحاكم العظيم ليس ذلك الذي اعتنق مبدأ ''أنّ السياسة فنّ الممكن بل إنّ ''السياسة فنّ المستحيل''،
وأخذتُ عنه كيف تكون النصاعة والنقاوة وكيف تكون نظافة الكفّ وشمخة الرأس،
وأخذتُ عنه كيف نتجاوز طوائفنا وأنانيّاَتنا ومصالحنا لنلتقيَ جميعًا عند الإله الواحد الأوحد الصمد وعند هذا الوطن الذي اسمه لبنان.
هذا المكتشف لأمجاد لبنان والسبّاح في أمجاد عظماته، أليس هو القائل؟
وواحدّ مجد لبنان الذي أخذت عنه الحضارة ما لولاه لا حضر
جبيلُ بيروتُ صيدونُ طرابلسٌ إطارها البدع أو لا كانت الأطر
إن مُسَّ ذكرٌ لقانا أو لصور سنى مُسَّ الكمال رؤى التاريخ والعبر
أو خُمّشت لمعة من بعلبك أسى توجَّعت مهجات الحسن تنفظر
شمالهنّ الجنوب القلب تلك سما بالي لتبقى ويبقى الرمل والنهر
ووحدهم أهلها أغلى على كبدي منها كعينيّ أغلى منهما البصر
هذا المتسربل بالعنفوان المتطلِّع دومًا صوب القمم والذرى وهو القائل:
شففت أنا بالعنفوان خَبرته صنوفاً فآخاني كما الغيمةَ المُزْنُ
ولكنني للعنفوان بمرقم تمايلت قلت الطّيـر مال به الغصـن
ستكبر إن تهزم لأنك في غد سترجع رُجعى السيف طيّبه السن
منانا رضى لبنان وجه خلوده نضيع به كالشَّمس ضاع بها الدجْنُ
وما همّ إن متنا ولم نبلُغ المنى كفى إن مشينا لا التواء ولا هدنُ
غدًا في خطانا يجبه الصعب نفسه بنون هم الأسياف مقبضها نحن
هذا الذي علّم الأجيال أنَّ لبنان صمود وخلود، أليس هو القائل:
أفتن بشعرك لكن قل تحطّمه ممّن غووا وبذمات العلى كفروا
لوحده في العداوات الدخيل جرى بباله غصب أرض تُربها الطهر
وإن نكن لربى خضر شمخن هوى شطٍّ وقمَّات صخر ليس تنكسر
معاندات لها في الله والتفتت دومًا إلى الله قلْ هل بعدها خُسُرُ
بلى سنبقى ويبقى فوق صخرته لبنان قهَّار من ما غيرهم قُهروا
وقال من خطر نمضي إلى خطر ما همّ نحن خلقنا بيتنا الخطر
أليس هو القائل:
الله نحن فهل نحيا لأغنية نشوى بها لفتة العقبان في الوُكن
إن شدّنا البحر لا ملآن بعد بنا نفرغه منه إن أسكن أو بنا انسكِنِ
جبالنا هي نحن الريح تضربها نقوى وما يعط قصف الرعد نختزن
عشنا هنا لا نُهم، الفقر مرّ بنا ومرّ من شبر أرض غرّه ففني
للفقر قلنا استرح، للمستبد أشح غدًا على الرمل لا يبقى سوى الدِمن
ويأخذ الرفش في جمعٍ هنا خوذ هنا اساميُّ فادفِنْ رفشُ واندفنِ
أليس هو القائل:
ما لي أغنيك أهلي النور منبتهم عالون كالأرز جارِ الله ما رُغموا
ما نكسوا هامة إلاّ لخالقها إلاّ للبنان ما دانوا وما احتكموا
في أثرهم أنا دنياي الجمال وإن باعدت فالسفح من لبنان والقمم
إلاّ إليك آلهي ما مددت يدي أجوع؟ من شرفي خبز ومفتنم
وعنه أخذت الأجيال أنّ لبنان حبّ وجمال:
بلادي أنا ولبنان عهد
ليس أرزًا ولا جبالاً وماء وطني الحب ليس في الحب حقد
وهو نور فلا يضِلُّ فكدٌ ويدٌ تبدع الجمال وعقل
لا تقل أمّتي وتغدر دنيا نحن جار للعالمين وأهل
وعنه أخذت كيف يُزرع لبنان فوق كل أرض وتحت كل سماء. أليس هو القائل:
"ومن الموطن الصغير نرود الأرض نَذري في كل شطّ قرانا
نتحدّى الدنيا شعوبًا وأمصارا ونبني، أنّا نشأ، لبنانا
هنيئًا لأمّةٍ أنجبت شاعرًا كبيرًا وهنيئًا للبنان أبدع هذا الشاعر!
عرفناه قبل نصف قرن ونحن على مقاعد الكليّة الشرقيّة في زحلة وعلى مقاعد الحكمة في الأشرفية،
لم يتتلمذ عليه طالب أو يتأثّر به مريد إلاّ وامتلأ قيمًا وأخلاقًا ولبنانًا وهموم إبداع واحتلّه الجمال،
فطوبى لأجيال ربيت على شعره ونثره، لكن الذين ولدوا مؤخّرًا أو لم يولدوا بعد فكم سيتحسّرون لأنهم لم يعاينوه أو يسمعوه ولم يعرفوا أيَّ ندى أرزٍ ينهمر عليهم من قصائده.
أمّا أنتم، يا أصدقاءه والمعجبين، الحاضرين منكم ومن حُرِموا، فحسبكم يعرف وتعرفون أنَّكم رعدُ النبضة التي هو بُرقها، لأنه يعي أن ليس من شاعر إن لم يكن له قادرون، وليس من كَرّة عندليب دون فضل السامعين . وقديمًا ومن أيّام "رندلى" قال لكم:
هل تعرف الأوتار في أوجها فضل المشوقين إلى صوت عود؟
سعيد عقل قامةٌ حاملةٌ أحلام لبنان، وزرقة عينيه تشعان بالحب والتحنان وصوته يمسكم بطمأنينة الأمان، وقلبه ينبض بالكبر والعنفوان، وعقله ينضج بالفكر والرؤى ومصادرة الزمان.
لما انتصرنا؟ أمتنا الموت لم نهب الدنيا تجمع فيها الناب والظُفُرُ
لأننا كان منّا شاعر عبد الحسن، العلى، المنتهى، العِرض الذي يفِرُ
ندى العمام سماح الكفّ ردّك لم تجبن، قوافٍ بهنّ الله يختصرُ
نبذة عن سيرة السفير فؤاد الترك
وُلد فؤاد الترك في زحلة (حوش الأمراء) حيث أنهى دروسه الثانوية في الكلية الشرقية. يحمل إجازة في التاريخ من الجامعة اللبنانية. مارس مهنة التعليم حتى العام ١٩٥٦ . دخل السلك الخارجي في العام ١٩٥٧ . مثّل لبنان بصفة قائم بالأعمال وقنصل عام وسفير في العديد من دول أميركا الجنوبية، وكندا وإفريقيا، وأوروبا وإيران. كما شغل منصب أمين عام وزارة الخارجية والمغتربين. شارك في عدّة مؤتمرات في الجمعيّة العامة للأمم المتّحدة وجامعة الدول العربيّة وإفريقيا. فضلاً عن مشاركته في مؤتمرات مجموعة دول عدم الانحياز. وهو مؤسّس نوادٍ وجمعياتٍ وفروعٍ ل ''الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم''.
سعادة السفير الترك يرأس حاليًا ''منتدى سفراء لبنان'' كما يشغل منصب ''رئيس فرع لبنان لحاملي الأوسمة الفرنسية'' وهو رئيس ''مؤسسة المونسينيور أغناطيوس مارون'' وأمين عام ''المجلس الأعلى لطائفة الروم الكاثوليك''.
له محاضرات عديدة في مواضيع سياسية وتاريخية واغترابية ودبلوماسية.
كٌتب عنه:
- ''آفاق لبنانية'': جوزيف السخن بيروت ١٩٣٣
- ''سعادة السفير'': مؤسسة ''ريبوراما'' بيروت ١٩٩٦
- ''فؤاد الترك'': أنطوان فضول وأمل نمير شعيا.
- ''فؤاد الترك أنموذج لقيم لبنان'': جورج صليبا ٢٠٠٩
حاز السفير الترك على أوسمة عديدة وهي:
- وسام الأرز الوطني برتبة ضابط أكبر (لبنان)
- الوشاح الأكبر سان مارتان(الأرجنتين)
- الوشاح الأكبر سان كارلوس (كولومبيا)
- الوشاح الأكبر (التشيلي) (ألمانيا) (مالطا)
- ضابط أكبر (فرنسا)
- كومندور (السنغال) (ساحل العاج) (التشاد) (الغابون)
- أورشليم المذهّب (بطريركية الروم الكاثوليك)
إعداد نينا حريز مرعي