المعلّمِ في شخصَّيته وحضوره
المعلّمِ في شخصَّيته وحضوره
إن التطوّر السريع للتكنولوجيا والمعلوماتية وتقنيات الاتصالات الحديثة، يضع المعلّمِين أمام تحدّيِات كبيرة. فالثورة هذه هي ثورة المعلومات التي أصبحت بمتناول الأولاد والشباب بسرعة فائقة ومدهشة، ما أحدث انقلابًا بدّلَ وجه التربية والتعليم. وقد أصبح الشباب اليوم أسرى الإنترنت لدرجة الهَوَس به. فهل تهدّدِ ثورة المعلوماتية وجود المعلّمِ وهل بإمكانها إلغاء دورِه؟.
إننا كمسؤولين تربويين نعترف بإيجابيات هذا التطوّر لكننا نحذّرِ من سلبيّاَته ونؤكد على ضرورة استيعاب متطلباته والتعامل مع الواقع الجديد بحكمة وتبصُّر،ونحن نؤمن بأن المعلّمِ كان وسيبقى ركنًا أساسيّاً من أركان العملية التربوية. فبناء شخصية الأولاد والشباب لا يكون من طريق تلقي المعلومات والأخبار المتدفقة بغزارة عبر الكومبيوتر الذي لا يستطيع أن يعلّمِ منهجيّةَ الفكر والعمل ولا يمكنه أن ينمّيِ أو يرُسّخِ الفضول في البحث العلمي أو الأدبي أو يهذّبِ الروح أو يعلّمِ مبادئ الأخلاق والقِيَم.كما لا يمكنه أن يربّيِ المواطن الصالح الملتزم حقوقه المدركِ لواجباته المتنبّهِ إلى أهمية تاريخ وطنه وموقعه الجغرافي وبيئته، إلا أننا نعترف أن التكنولوجيا الجديدة عبر وسائلها المتنوعة تمكِّن التلميذ من المشاركة بدينامّيَة أكبر في عملية التربية من خلال استخدام الوسائل التي أصبحت بمتناوله، ولكن يبقى للمعلّمِ وحده أن يلعب دور الموجّهِ والمساعد للتلميذ على بناء المعرفة وإطلاق شخصيتَّه الفكرية والعلمية والأدبية والفنية، واكتشاف قدراته ومهاراته وتعزيزها وتنميتها. لقد كان المعلّمِ وسيبقى في شخصيّتَه المميّزَة وحضوره المؤثّرِ العنصر الأهم الذي يعوَّل عليه في تنفيذ السياسة التعلِيمّية الناجحة.
انطلاقًا من هذه القناعة بادر المركز التربوي للبحوث والإنماء من خلال مشروع التدريب المستمر وعبر كل الوسائل ومنها "المجلة التربوية" إلى تحفيز المعلّمِين ومساعدتهم على تأدية دَورهِم وبناء شخصيّتهم وتفعيل حضورهم. إنسجامًا مع إيماننا الراسخ برسوليّةَ مهنة التعليم وبقدرة المعلّمِ على المساهمة بفعالية في بناء الحضارة، لذا يتمّ التركيز على تدريب المعلّمِين وتأهيلهم من خلال الدورات التدريبية في مختلف المواد التعليمية والقضايا المتصلة بالتربية والتعليم.
فالمعلّمِ الناجح هو الذي يُقبِل على المشاركة الفعَّالة في هذه الدورات محاولاً تحسين أدائه وتوسيع أفق ثقافته ومواكبة روح العصر والسعي إلى التجديد والابتكار في ممارسة مهنته. المعلّمِ الناجح هو الذي يعرف تحديد أهداف دَرسِه وكيفية بلوغ هذه الأهداف تاركًا للتلميذ المجال الواسع للتعبير بحرية لإظهار مواهبه واكتساب قدر أكبر من الاستقلالية.
لذا، يسعدني أن تسهم "المجلة التربوية" من خلال موقعها الخاص والمميّزَ في عالم المنشورات التربوية الثقافية في تقديم الدعم للمعلّمِ، وأن تكون أحد الينابيع الذي يستقي منه الباحثون والمعلّمِون وكل طالبي العِلم في مجالاته كافة.كما يسعدني أن يشارك في إعدادها مدرّبِون ومعلّمِون من ذَوي الخبرة والكفاءة العالية. فالمجلة التربوية تَعني المعلّمِ الذي يُغنيها ويغتني بها فيتمّ بذلك تقاطع التجارب بعضها مع بعض وتبادل الخبرات..
على عتبة العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين نتطلّعَ إلى معلّمِين في المرحلة الثانوية واعين لمسؤولياتهم تجاه تلامذة يقفون على منعطفٍ مهم من حياتهم إذ إنهم مقبِلون على اختيار اختصاصهم الجامعي ورسم طريق المستقبل. وإننا واثقون من أن لبنان لا يمكنه أن يرتقي إلى مستوى أعلى من مستوى المعلّمِين فيه. وستبقى الأنظار مشدودة إلى المعلّمِ القادر على التكيّف مع عالم متغيّرِ بسرعة مذهلة لتبقى شعلة التربية على توهُّجهِا. ها هي "المجلة التربوية" تستمرّ وفيّةًَ لرسالتها وأهدافها من خلال تقديم الدعم التربوي والثقافي للمعلّمِين، حيث تقدّمِ في هذا العدد ملفًا تربويًا يتضمّن نماذج دروس تطبيقية للسنة الثالثة الثانوية بفروعها الأربعة.
آملين من إدارات المدارس الثّانوية تمكين الأساتذة المعنيين من الاطلاع عليها كلٌّ بحسب اختصاصه نظرًا للفائدة المتوخاة من ذلك إن على مستوى المعلّمِين أو على مستوى التلامذة.
وإنني أغتنم هذه المناسبة لتوجيه الشكر والتقدير إلى كل الذين أسهموا في إعداد هذا العدد الذي يحمل الرقم 50 وإنتاجه.