من مقاربة علم الاجتماع والألسنيّة إلى فن تعليم اللّغات المتعدّدة في الأُطُر اللّبنانيّةَ

صورة للاستاذ عمر بو عرم رئيس قسم اللّغة العربيّة وآدابها في المركز التربوي للبحوث والإنماءالإنسان كائن اجتماعي بالطّبع، كما قال ابن خلدون، يعيش مع مجموعة من أبناء جنسه تربطه بهم روابط متعدّدة من نسب وجوار ومصالح مشتركة ووحدة آمال وأحلام وعواطف وغير ذلك من الروابط التي تنشأ في كلّ مجتمع متجانس. ولا بدّ لهذه المجموعات البشريّة من وسيلة للتفاهم، بدأت هذه المجموعات بالبحث عنها منذ أقدم العصور، وصارت محاو
لات التفاهم هذه تتدرّج من زمن طويل قبل الوصول إلى اللّغة المطلوبة للتفاهم. فاتّخذت من الإشارات والأصوات والرموز والرسم والتصوير وسائل تعين مبدئيّاً على التفاهم.وظلّت هذه الوسائل ترقى عبر العصور حتى أصبحت لغات اليوم التي تتفاهم بواسطتها شعوب الأرض على اختلافها.

القواعد اللّغُوية

يثبت التاريخ أن التدرج الذي مرّت به كلّ لغة قد انتقل من الأصوات إلى المقاطع إلى الألفاظ.ثمّ خضعت هذه الألفاظ لنوع من الوضع والاصطلاح، وبعد أن تجاوزت اللّغة مرحلة النّشأة والتطوّر والتقدّم ووصلت إلى طور من الوضوح والدقّة في الدلالة، والقدرة على التعبير والإبانة عن كلّ ما يجول في الخاطر ويجيش في النفس، دخلت في طور متقدّم وهو طور القوانين اللّغويّة التي تحفظها من الفساد والخطأ وكانت "القواعد اللّغويّة". فاللّغة نشأت واكتملت أوّلاً ثمّ وضعت لها القواعد المناسبة.

ثمّ إنّ الاهتمام باللّغة يعود إلى كونها من الظواهر الحياتيّة الأساسيّة، التي تستند إلى التفكير والتعبير والتواصل. لقد شُغِل بها العقل البشري منذ بدء دراسته الأمور التجريديّة، وجعلها من أولى اهتماماته إلى جانب اشتغاله بالموضوعات الفلسفيّة الأخرى. لقد اعتبر الإنسان أنّ معرفة أسرار اللّغة وقوانينها جزء من معرفته الفكريّة بشكل عام. ومن الجدير معرفته، أنّ الاهتمام النشيط بالأبحاث اللّغويّة، كان بسبب الفتوحات العسكريّة، واحتلال أراضي الآخرين، ونقل الحضارة واللّغة إلى غير حامليها الأصليين. فأصحاب الأراضي المحتلّة، عندما تُفْرَض عليهم لغة غير لغتهم الأصليّة، فإنّهم يتكلّمونها بحسب نظامهم الصّوتي الخاص بهم حيث يقعون في أخطاء كثيرة صوتيّة وتركيبيّة ومعجميّة. لذا بدأت دراسة اللّغة وتدوين قواعدها في هذه المناسبة بغية ضبطها. هذه العمليّة تكرّرت مع اليونانيّين ومع العرب. والقول العربي الشهير: "ما دخلت لغة على لغة إلاّ أفسدتها"، يحمل مصداقيّة في هذا المجال.

دور اللّغة في حياة الفرد
نرى ممّا تقدّم:

  1. أنّ اللّغة هي وسيلة اتّصال الإنسان بغيره من أفراد مجتمعه ليحقّق مطالبه ويفصح عن ميوله وعواطفه.
  2. إنّ اللّغة كذلك أداة إقناع، حين يحاول الفرد التأثير في جماعة يريد أن تستجيب إلى ما يدعو إليه وذلك إمّا من طريق النّطق أو الكتابة.
  3. واللّغة كذلك أداة للتفكير، لأنها تعطي أفكارنا جسمًا مسموعًا هو "الكلمة" والصّلة بين اللّغة والفكر وثيقة لأنها الترجمان الذي يعبّرعن أفكارنا ويوصلها إلى الآخرين. وقد قيل: "التفكير كلام صامت، والكلام تفكير جهري".
  4. واللّغة تغذّي الجانب العاطفي وتعبّر عنه بإنتاج الأعمال الأدبيّة كما تغذّي التذوّق الجمالي الذي تعبّر عنه هذه الأعمال. لذلك فإنّ عمل المدرّس لا يتوقّف عند حدّ تمكين التلميذ من التعبير السّليم فقط وإنّما يتجاوز ذلك إلى تمكينه من تذوّق جمال التعبير.
  5. واللّغة، أخيرًا، هي وسيلة الفرد للإفادة من تجارب الجنس البشري وثمار القرائح والعقول من طريق القراءة والاستماع.

دور اللّغة الاجتماعي
رأينا ممّا تقدّم أن اللّغة تقوم بدور أساسيّ في حياة الأفراد والمجتمعات لأنّها أداة التفاهم المهمّة بين البشر، التي بفضلها يتحقّق نمو المجتمع وتطوّره في شتّى شؤون الحياة ومجالاتها. لذلك يُنظر إلى اللّغة في حقل التربية والتعليم كوسيلة أولى للتفاهم بين الأفراد والجماعات ويجب بالتالي أن تدرَّس للتلامذة بإتقان وتدرّج ودراية لتصبح فعلاً أداة التفاهم بين التلميذ وأقرانه وأداة نقل لأفكاره إلى سواه من البشر من طريق التعبيرين: الشفهيّ والكتابيّ.
هذا بالإضافة إلى أنّ اللّغة من أهم وسائل الارتباط الروحي بين أفراد المجتمع الواحد، فهي تحفظ لهذا المجتمع تراثه الثقافي والحضاري وبوساطتها يُنقل كلّ تراث من جيل إلى آخر، وتسمح للأجيال المقبلة في تنمية هذا التراث بعد الإفادة منه.

نظرة التربية إلى تعليم اللّغة
اعتبرت التربية القديمة اللّغة، مادّة أساسيّة كسائر مواد التعليم وخَصَّصَت لها ساعات معيّنة في جدول الدروس الأسبوعيّة، كمادّة مستقلّة عن سائر مواد التدريس.
لكنّ التربية الحديثة لا تنظر إلى اللّغة، وبصورة خاصّة "اللّغة القوميّة"، كمادّة دراسية فحسب بل تعتبرها بالإضافة إلى ذلك "أداة الاتصال والفهم" وبدونها يتعذّر تعليم سائر المواد الدراسية الأخرى. وقد دلّت تجارب المربّين واختباراتهم على أنّ فشل التلامذة وإخفاقهم في الدراسة راجع إلى ضعف مستواهم في اللّغة القوميّة، وعجزهم عن فهم المادة المكتوبة بها. وهذا يدلّ بوضوح على أن اللغة عنصر جوهري في عمليّة التعليم، وليست مادّة دراسيّة مستقلّة لا صلة لها بغيرها من مواد الدراسة الأخرى.
وبناءً على ما تقدّم يترتّب على اعتبار اللّغة وسيلة الاتصال والتفاهم، نتائج عدّة، أهمّها:

  • ما دامت اللّغة القوميّة، من وجهة النظر التربويّة الحديثة، ليست مادّة مستقلّة فإنّ أمر تعليمها لا يصبح مسؤوليّة معلّم اللّغة القوميّة وحده، وإنّما يصبح واجبًا مشتركًا ومسؤولية مشتركة بين جميع المعلّمين. وإنّ اعتبار معلّم اللّغة القوميّة المسؤول الأوّل عن تعليمها لا يعفي بقيّة معلّمي المواد من تحمّل جزء من تبعة إتقان التلامذة للغتهم القوميّة.
  • إنّ النظرة إلى اللّغة على أنّها أداة للتفاهم والاتصال، توجب زيادة اهتمام المعلّمين بها، وتجعل تعليمها غير مقيّد بغرف الدراسة، وغير محدّد المكان بل يجب العناية بتعليمها وحسن استعمالها داخل غرف الدراسة وخارجها وفي كلّ مكان أو مناسبة أو موقف يشجّع على استعمالها وإتقانها.
  • يجب أن تصبح عمليّة تعليم اللّغة عمليّة وظيفيّة هادفة، أي عمليّة تؤدّي إلى وظيفة ودور في الحياة، لا مجرّد حشو أذهان بمعلومات قد تبقى في الذهن زمنًا يطولُ أو يقصرُ من دون أن يجد المتعلّم بتلك الطريقة فرصة أو مجالاً للإفادة منها في حياته العمليّة.

إنّ تعليم اللّغة على هذا الأساس الوظيفي التطبيقي، يجعل التلامذة يتعلّمونها ليستعملوها في حياتهم اليوميّة ومتطلّباتها، لا ليستظهروا قواعد جامدة، وتعاريف لم يعتادوا تطبيقها في تعبيرهم اليومي. فيتعلّمون القواعد التي تصحّح لغتهم وتراكيبهم من الخطأ. كما يتعلّمون من قواعد الإملاء ما يمكّنهم من الكتابة الصحيحة شكلاً وهجاءً، ومن القراءة ما يجعل قراءتهم سريعة صحيحة، وبالتالي بليغة ومعبّرة، ومن المحفوظات أو القصائد التي تحفظ غيبًا والنصوص الأدبيّة ما يتّصل بمشاعرهم وعواطفهم، ومن أصول البلاغة ما ينمّي عندهم ملكة النقد الأدبي عندما يتقدّمون في دراستهم، ويعينهم على تذوّق الأدب والاستمتاع به في حياتهم وأوقات فراغهم وإشباع أذواقهم.

  • أخذت التربية الحديثة، على هذا الأساس التطبيقي الوظيفي في تعليم اللّغة، قبل أن يحدث تغيير جوهري في الأساس الذي يقسّمِ اللّغُة إلى فروع متعدّدة كالقواعد والإملاء والتعبير بنَوعَيه الشّفهيّ والكتابيّ... وهذا التّقسيم ليس معيبًا في ذاته، لأنّ التفريق بين فروع اللّغة يفيد العمليّة التعليميّة لكلّ من هذه الفروع. ولكن العيب الحقيقي يقع عند الفصل الكامل بين فروع اللّغة واستقلال كلّ منها تمام الاستقلال عن الفروع الأخرى، من دون اعتبارها مكمّلة لبعضها بعضًا. لأنّ المراد من تدريسها هو اعتبارها وسيلة للوصول إلى غاية، ألا وهي إجادة التلامذة وإتقانهم القراءة والكتابة الصّحيحتين، وتزويدهم بالقدرة على التعبير الكتابي، وإيصالهم إلى حسن الاستماع لفهم ما يُلقى عليهم.

والخلاصة فإنّ الغرض من الاتّصال اللّغُوي يتحقّق إذا تحدّث المدرّس إلى تلامذته بلغة واضحة، سهلة ومفهومة.

علم اللّغة أو الألسنيّة
لعل من أبرز مظاهر تطوير الدراسات اللّغويّة في عصرنا الحالي نشوء علم اللّغة أو ما يُسمّى بالألسنيّة. فتقدّم العلوم عامّة والعلوم اللّغويّة خاصّة أتاح للباحثين اللّغويّين مجال اتّبِاع طرائق علميّة جديدة لدراسة اللّغة. وقد ركّزت الألسنيّة على دراسة اللّغة كنظام قائم بذاته من حيث هي تتألّف من بنى معيّنة متراصّة ومتكاملة. فتتكوّن كلّ لغة من بنى تتفرّد بها وتميّزها من سواها وترسم الخطوط التي يجب أن يتّبعها متكلّم اللّغة في استعماله لها كوسيلة اتصال. ولا بدّ لنا من التعرّض بإيجاز للعوامل التي ساعدت على نشوء علم اللّغة أو الألسنيّة.

نشوء علم الألسنيّة
نشأت الألسنيّة في الولايات المتّحدة وفي أوروبا كردّة فعل على الدراسات اللّغويّة التقليديّة. ويظهر هذا واضحًا من انتقادات وتصاريح روّاد الألسنيّة، نذكر منهم هنا: فردينان دي سوسير، نيقولاي تروتسكوي، هاريز ونعام تشومسكي. وقد ركّزت هذه الانتقادات على أنّ كتب اللّغة التقليديّة تعتمد في دراستها اللّغويّة على عناصر غير محدّدة بطريقة وافية، وعلى معايير غير ثابتة وعلى مفاهيم غير واضحة. وقد نتج من هذه الانتقادات إعادة نظر جذريّة في المعطيات اللّغويّة وخصوصًا في مفاهيم الدراسة اللّغويّة الأساسيّة: كمفهوم الكلمة مثلاً ومفهوم الصرف والتراكيب، ومفهوم أجزاء الكلام، ومفهوم الجملة. وكي تصبح الألسنيّة علمًا حديثًا، كان عليها أن تتخلّى بصورة نهائيّة عن الطرائق والأساليب التقليديّة في دراسة اللّغة، فتبني مبادئها ومصطلحاتها الخاصّة مبتعدة عن الآراء اللّغويّة القديمة ومعتمدة الأساليب العلميّة الواضحة.

تطوّر علم الألسنيّة
وقد ساعد أيضًا على تطوّر الألسنيّة عوامل غير لغويّة كاختراع الحاسبات الإلكترونيّة. فأبصرَت النور دراسات جديدة تتعلّق باللّغة، مثل الترجمة الآليّة والتحليل الآلي للنّصوص، ما وسّع ميدان علم اللّغة وظهرت احتمالات إدخال الآلة للقيام بأعمال لغويّة تتطلّب مجهودًا كبيرًا (كتخزين المعاجم مثلاً). ولكي تنجز الآلة مهمّتها، في هذه الميادين، كان من الضروري الإلمام بموضوع اللّغة. وممّا لا شكّ فيه أنّ دور هذه العوامل الخارجيّة كان بالغ الأهميّة في تطوير الدراسات اللّغويّة باتّجاه علمي تجديدي.

تعريف علم الألسنيّة
وتجدر الإشارة إلى أن الألسنيّة مدينة إلى "فرديناند دي سوسير" الذي كان له الفضل الأول في وضع تعريف علمي لطرائقها ومواضيعها. فقد نظر دي سوسير إلى اللّغة كظاهرة اجتماعيّة، وقد دفعه اهتمامه بتفهّم عمل اللّغة إلى التشديد على مفهوم التنظيم. فهو يعرّفِ اللغة "بتنظيم إشارات مفارقة أو مغايرة".

ويعني دي سوسير بكلمة "تنظيم" مجموعة القواعد التي تحدّد، ضمن اللّغة، استعمال الأصوات والصّيِغ وأساليب التعبير النحويّة والمعجميّة، وهو من لفت الانتباه إلى أنّ اللّغة كلّ لغة هي كلّ منظّم من العناصر التي لا تمكن دراسته إلاّ من حيث كونه يعمل كمجموعة ولا يكون بالتالي لعناصر التنظيم، إذا أخذت على حدة، أيّ دلالة بحدّ ذاتها، وإنّما تقوم دلالتها فقط عندما نربطها بالتنظيم ككل. كما لا تكون العناصر مهمّة في التنظيم بل الأهمّية للروابط والعلاقات التي تخضع فيما بينها. ولكي يتوصّل دي سوسير إلى إفهام رأيه بصورة واضحة وجليّة يشبّه اللّغة بلعبة الشّطرنج فيقول: "إذا استبدلت بقطع اللّعب الخشبيّة قطع لعب عاجيّة مثلاً، لا يكون لهذا التغيير الحاصل أي تأثير في التنظيم، بينما إذا أنقصت عدد القطع أو زدتها فيكون لهذا التغيير تأثيرعميق في قواعد اللّعُبة". والمفهوم الثاني هو مفهوم الإشارة الذي هو مدخل إلى موضوع الدلالة أو المعنى. وتكمن أهمّية هذا المفهوم في أنه يدخل ضمن وظيفة اللّغة الأساسية التي هي، الاتصال والتعبير عن الأفكار الإنسانية. ولئن كان مفهوم التنظيم يختص بالترتيب الشّكلي للّغة فإنّ مفهوم الإشارة يتعلّق بوظيفتها الاجتماعيّة والنفسيّة. ولكن ما هي الإشارة التي يرمز إليها دي سوسير؟
إنّها عنصر التنظيم اللّغوي، وإذا أردنا التمسّك بتعابير دي سوسير، فهي الوحدة اللّغويّة المتكوّنة من دال ومدلول. فالدّال هو الإدراك النفساني للكلمة الصوتيّة والمدلول هو الفكرة أو مجموعة الأفكار التي تقترن بالدّال. فنلاحظ أنّ مفهوم الإشارة هنا يقترن بين معنى مجرّد (المدلول) وبين صورة صوتيّة (الدّال). ويجدربنا أن نشير إلى أنّ المدلول في اللّغة لا يطابق "الشيء الّذي تشير إليه الكلمة" وأنّ الدّال والمدلول لا يمثّلان "الكلمة والشيء".  فمن الناحية اللغويّة لا تعني كلمة "شيء" أي معنى، بحدّ ذاتها فقط، بل هي تستمد معناها من خلال التمثيل الثقافي الذي يضفيه عليها الإنسان، عبر شكل الإشارة بالذات أي عبر اقتران الدّال بالمدلول.
ومفهوم الإشارة كما يحدّده دي سوسير مفهوم مجرّد ودقيق يتخطّى مفهوم "الكلمة التقليدي والمبهم". فالإشارة إذًا هي الوحدة اللّغوية التي تكون باتّحاد الدّال بالمدلول. خلاصة القول إن الدراسة التأريخيّة تعير جلّ اهتمامها إلى قضايا التهافت أو التراكم، ذلك أن ثقافة الأزمنة والعصور عنصر مهم من عناصر تطوّر اللّغة وتغيّرها وتبدّلها. بينما تلفت الدراسة الوصفيّة إلى الأحداث اللّغويّة المعاصرة التي تكون مرآة صادقة ينعكس فيها جوهر اللّغة وشكلها وطبيعتها ويتمّ من خلالها تحليل التنظيم اللّغوي .

ما هو دور الألسنيّة في طرائق التدريس؟
سنحاول الإجابة عن هذا السّؤال بصورة مقتضبة بعض الشيء:

  •  إن التربويّين يقرّون أنّ الدراسات الألسنيّة هي دراسات دقيقة ومثيرة للاهتمام في ميدان البحث الذهني. وما من أبحاث إنسانيّة قد تطلّبت في السّنين الأخيرة مقدار ما تتطلّبه الدراسات الألسنيّة من اهتمام أو أثارت قضايا مهمّة حول لغة الإنسان وفكره بالقدر الّذي أثارته هذه الدراسات بالذات والألسنيّة تتعرّض لقضايا التعلّم عبر محاولتها تسليط الأضواء على طبيعة اللّغة الإنسانيّة. ذلك أنّ الإنسان يكتسب اللّغة.
  • إنّ النظريّة اللّغويّة الألسنيّة تكون حافزًا للمعلّم كي يتعمّق في المعطيات اللّغويّة وهي توجّهه عبر مشكلات اللّغة وتساعده على تنظيم الخطوات التي يتّخذها في ما يتعلّق بترتيب المادة اللغويّة تنظيمًا علميّاً، كما تسانده في تقييمه لتطوّر برنامج تعلّم اللّغة الأم.
  •  ومن المسلّمات الّتي شاعت أخيرًا في أوساط التربويّين أن على معلّم اللّغة الأم أن يعود إلى عمليّة اكتساب اللّغة لتوجيه عمليّة تعلّمها وتفهّم مشكلاتها بصورة عامة. وممّا لا شكّ فيه أنّ الألسنيّة قد أسهمت اسهامًا كبيرًا في دراسة عمليّة اكتساب اللّغة عند الأطفال.

إنّ ما قام به سوسير وأكمله تشومسكي، يسمح لنا بتحديد اللّغة كبنية قائمة بذاتها، وأنّها تقوم على تنظيم معيّن. لذا يميّز الألسنيّون البنيويّون بين معرفة الإنسان التنظيم اللّغوي وبين استعماله اللّغة في عمليّة التكلّم. هذا التمييز هو الّذي قال به سوسير، عندما فرّق بين اللّغة وبين الكلام.

تمييز الكفاية اللّغوية من الأداء الكلامي
 نلاحظ الشيء نفسه عند تشومسكي، الّذي يميّز "الكفاية اللّغويّة"  من "الأداء الكلامي". كذلك يميّز سوسير في مبادئه الفكريّة اللّغة من الكلام من خلال تعريفه اللّغة وتوصيفها. فاللّغة في نظره مؤسّسة اجتماعيّة، إنّها نتاج اجتماعي لمقدرة التكلّم، وهي تختلف عن استعمال الأفراد لهذه المقدرة، إنّها مجموعة الاصطلاحات الضروريّة. لذا يميّز سوسير ما هو فردي ممّا هو اجتماعي، وتستند نظريّته على مقياس الطابع الاجتماعي، لأنّه المبدأ الأساس لوحدة اللّغة وتماسكها، ويضيف سوسير في كلامه عن اللّغة بأنّها واقع مكتسب اصطلاحي وهي مؤسّسة اجتماعيّة. فالرابط الاجتماعي هو الّذي يكوّن اللّغة. وفي تمييزه اللّغة من الكلام، يقول سوسير اللّغة قائمة ضمن مجموعة الأفراد، وتأخذ شكل سِمات موضوعة في كلّ عقل تقريبًا. أي شكل معجم تتوزّع نسخاته بين الأفراد. اللّغة كنز وضعته ممارسة الكلام عند الأفراد، الذين ينتمون إلى بيئة لغويّة واحدة، إنّها تنظيم قواعد موجودة بصورة مضمرة في عقل كلّ فرد من حاملي اللّغة، ولا وجود للّغة بصورة كاملة إلا ضمن المجموعة. فاللّغة إذًا هي هذا التنظيم المضمر المجرّد، ويُفترض وجوده بصورة من الصُور خارج إطار الكلام المحسوس. ولا بدّ من تقرير مبدأ وجود هذا التنظيم، كي نتفهّم نتاج الكلام الممكن لحظه عند الأفراد. وتحقيق اللّغة يعود في الواقع إلى الفرد، أي أنّ الكلام والأداء الكلامي لا يتحقّقان من طريق المجموعة، لأنّهما عمل فردي، يسيطر الفرد عليه دائمًا فندعوه الكلام.

تعرّف الألسنيّة العامّة وهي المدخل إلى الدراسات اللسانيّة الخاصة بعض المفاهيم التي تسمح بتبيان الموضوع (اللّسان) داخل المادّة (ظاهرات الكلام) في أثناء البحث التجريبي في لغة من اللّغات.

مقاربة اللّغة من وجهة النظر الألسنيّة
عند الدراسة الألسنيّة، ينبغي أخذ مجموعة من المبادئ المنطلقات، لكي نقارب موضوع اللّغة مقاربة ألسنيّة، وليس دراسة تقليديّة، أي أنّ اللّغة نظام وتنبغي دراستها من هذا المبدأ، انطلاقًا من عناصر هذا النظام وعلاقاتها في ما بينها، لا من المعايير التي تفرضها قاعدات اللغة الأدبيّة الراقية والتي يجب علينا مراعاتها. فاللغة إذًا ظاهرة اجتماعيّة، تستخدم لتحقيق التفاهم بين الناس، لذا ينبغي أن نضع في اعتبارنا العلاقة المتبادلة بين الصوت والمعنى، لأن هذه العلاقة هي الأساس في عمليّة إقامة الاتصال.
إنّ إسهام سوسير الرئيس، الذي سار عليه غالبيّة من جاء بعده، هو تمييزه ثلاثة مفاهيم، هي اللّغة واللّسان، والكلام.
اللّغة هي اللّغة بصفة عامّة، الملكة المشتركة بين البشر، التي تسمح للناس بالتفاهم بوساطة إشارات صوتيّة. إنّها ظاهرة إنسانيّة لها أشكال كثيرة تنتج من الملكة اللّغويّة عند البشر. كما أنّها مقدرة عامّة، أي قواعد فطريّة تكمن وراء جميع الألسن، وهي التي تعطي إمكانيّة إنتاج اللّسان والكلام.
إنّ ظاهرة الكلام البشري ينبغي أن تدرك وتستقبل على أنّ لها جانبين متميّزين: جانب موحّد يُسمّى اللّسان، وجانب آخر هو عبارة عن أفعال مُعينة للّسان، تُسمّى أفعال الكلام. فاللّسان هو المكوّن المعرفي، الّذي ينبغي أن يعرفه مستخدم اللّسان في مقابل التكلّم، الذي هو المكوّن السّلوكي لحدث التواصل الصّوتي. ويعتبر اللّسان معيارًا اجتماعيّاً وجزءًا من الثقافة، بينما يكتسب التكلّم جوهرًا ودلالة فقط، إذا كان يؤكّد أو يطابق ممارسات اللسان الاجتماعية. أضف إلى ذلك أنّ سوسير كان يعتبر اللسان مكوّنًا فرضيّاً، افترضه المنظّر لكي يفسّر الدليل التّجريبي المستمد من ملاحظة الفرد المتكلّم. ويلفت سوسير النظر إلى أن معرفة القواعد لا تعني المقدرة الفعليّة على التعبير عنها، بصورة تسمح بالتواصل والتفاعل مع الآخرين. ولعلّ التفاوت بين معرفة القواعد والإخفاق في ترجمتها إلى الكلام له دلالة سيكولوجيّة، يهتم بها علماء النفس ويهملها الألسنيّون.
نستنتج ممّا سبق أنّ اللّغة هي القدرة الضمنيّة الخاصّة بالفرد البشري، التي تسمح له بأن يتّصل بأبناء مجتمعه. وتعريفه اللسان بأنّه جزء معيّن من اللّغة، أو هو بالأحرى تحقيق لها في مجتمع ما أو لدى شعب معيّنَ، وهو ميدان التواصل اللّغوي.

فن تعليم اللّغات المتعدّدة في الإطار اللّبناني
إنّ وحدة الألسنيّة العامّة وأهدافها التي يمكن تطبيقها، لا بل يجب مراعاتها في سائر اللّغات على أساس الوظائف العامّة للّغات جميعًا... من هنا التقاء الفرنكوفونيّة أو الأنكلوفونيّة والعربوفونيّة وغيرها من لغات العالم على قواسم مشتركة في طرائق التدريس والتحليل والبحث. وعلى هذا الأساس يمكن تبادل الخبرات وتقاسمها والتماثل في ما بينها سواء في تحديد الأهداف العامة والأهداف الخاصّة واستراتيجيات التعلّم وطرائق التقييم، تحديدًا مشتركًا وقوي الترابط والتشابه بين مختلف اللّغات. وذلك بالحفاظ طبعًا على خصوصيّة كلّ لغة، من ناحية تركيبها الصرفيّ والنحويّ والدلاليّ. ولما كانت المناهج التي أصدرها المركزالتربوي للبحوث والإنماء في العام 1997 قد شدّدت على الانفتاح الثقافي والمعرفي ومواكبة المستجدّات العالميّة الحديثة، فقد أتاح المركز أيضًا أمام التلامذة اللبنانيين فرصة تعلّم وإتقان أكثر من لغة أجنبيّة واحدة إلى جانب لغتهم الأم فكانت اللّغة الإيطاليّة والإسبانيّة والألمانيّة إلى جانب الفرنسيّة والإنكليزيّة.

إنّ فن تعليم اللّغات المتعدّدة في الإطار اللبناني بدأ مع الثورة اللغويّة التي حقّقها اللبنانيون من خلال التَماس اللّغوي الّذي بدأ مع الفرنسيّة والإنكليزيّة، فكانت الثورة الجبرانيّة التي غيّرت إيقاع اللّغة ومخيّلتها وبنائها وبلاغتها وحساسيّتها. من هنا، من هذا الزواج اللغوي والتفاعل والصراع، ولدت رمزية سعيد عقل، فأحدثت في العربيّة نحتًا وموسيقى وتجدّدًا للشكل ومزجًا بين العقلانية والتّأمّل. من هذا الزواج اللّغوي أيضًا استطاع أنسي الحاج وحنان الشّيخ تحطيم الفصاحة العربيّة بأدواتها وإقامة أشكال ومبانٍ بدونها وإيجاد غناء خارجها. فمن هذا الزواج والصراع جاءت أجيال السبعينيّات والثمانينيّات التي أدخلت إلى الشّعر والرِواية حساسية جديدة. يمكننا أن ندرج هنا بعض أسماء الروائيّين والشّعراء: بول شاوول، وديع سعاده، محمّد علي شمس الدّين، جودت فخر الدّين، بسّام حجّار، عبده وازن، شارل شهوان، عقل العويط، عصام عبد للهّ، هدى بركات، أنطوان الدويهي...

إذا نظرنا إلى كلّ هذه المراحل بدا لنا أنّ الأدب اللّبناني الحديث هو ثمرة هذا الحوار اللّغوي وأنّ ما أدخله هذا الأدب إلى اللّغة العربيّة هو بالضبط نتيجة هذا الزواج الثقافي. وبالطّبع لا يمكننا أن ننظر إلى الفكر اللّبناني بعين أخرى، ذلك أنّ دراسات وأبحاث أحمد بيضون ووضّاح شرارة وحسن قبيسي وعلي حرب ووجيه كوثراني، وآخرين هي خلاصة هذا الزواج اللّغوي. يمكننا أن نستخلص من كل ذلك أنّ الثقافة في لبنان لعبت دورها الريادي في الثقافة العربيّة، بحيث أدخلت إليها روحًا وحساسية جديدتين ومباني فكر وأدب وتجارب متفرّدة، نتيجة للجسر الثقافي واللّغوي الذي بنته وامتازت به ردحًا طويلاً من الزمن.
وهكذا، يتّضح لنا بصورة جليّة أنّ اللّغة قد اتّخذت منحًى تطويريّاً، بدأ بتطوّر علم الاجتماع إلى ظهور علوم اللغة العامّة أي "الألسنيّة"، التي لم يكن أئمة اللغة والنقد والأدب في عصورنا الذهبية بعيدين عنها، فقد سمّى العرب قديمًا هذه العلوم اللغويّة "بفقه اللغة". وأخيرًا وليس آخرًا، انتهى هذا التطوير اللّغوي بفن تعليم اللغات المتعدّدة في الإطار اللبناني.

 

المصادر والمراجع

  • د. أبو ناضر موريس: إشارة اللّغُة ودلالة الكلام – دار المختارات، بيروت -  لبنان، 1990
  • أشار بيار: سوسيولوجيا اللُّغة - ترجمة د. عبد الوهاب ترّو-منشورات -  عويدات-بيروت، طبعة أولى، 1996
  • دي سوسّير فرديناند: محاضرات في الألسنيّة العامّة-ترجمة يوسف غازي ومجيد النّصر-دار نعمان للثقافة 1984، جونيه-لبنان.
  • تشومسكي ناحوم: اللّغُة والمسؤوليّة-ترجمة عيسى العاكوب-معهد الإنماء- العربيّ-بيروت، 1998
  • د. زكريّا ميشال: الألسنيّة (علم اللّغُة الحديث) المبادئ والأعلام-المؤسّسة- الجامعيّة للدراسات والنشر والتوزيع-طبعة ثانية 1983، بيروت-لبنان.
  • د. لطفي مصطفى: اللّغة العربيّة في إطارها الاجتماعي-معهد الإنماء العربيّ، بيروت-لبنان 1981

من مقاربة علم الاجتماع والألسنيّة إلى فن تعليم اللّغات المتعدّدة في الأُطُر اللّبنانيّةَ

صورة للاستاذ عمر بو عرم رئيس قسم اللّغة العربيّة وآدابها في المركز التربوي للبحوث والإنماءالإنسان كائن اجتماعي بالطّبع، كما قال ابن خلدون، يعيش مع مجموعة من أبناء جنسه تربطه بهم روابط متعدّدة من نسب وجوار ومصالح مشتركة ووحدة آمال وأحلام وعواطف وغير ذلك من الروابط التي تنشأ في كلّ مجتمع متجانس. ولا بدّ لهذه المجموعات البشريّة من وسيلة للتفاهم، بدأت هذه المجموعات بالبحث عنها منذ أقدم العصور، وصارت محاو
لات التفاهم هذه تتدرّج من زمن طويل قبل الوصول إلى اللّغة المطلوبة للتفاهم. فاتّخذت من الإشارات والأصوات والرموز والرسم والتصوير وسائل تعين مبدئيّاً على التفاهم.وظلّت هذه الوسائل ترقى عبر العصور حتى أصبحت لغات اليوم التي تتفاهم بواسطتها شعوب الأرض على اختلافها.

القواعد اللّغُوية

يثبت التاريخ أن التدرج الذي مرّت به كلّ لغة قد انتقل من الأصوات إلى المقاطع إلى الألفاظ.ثمّ خضعت هذه الألفاظ لنوع من الوضع والاصطلاح، وبعد أن تجاوزت اللّغة مرحلة النّشأة والتطوّر والتقدّم ووصلت إلى طور من الوضوح والدقّة في الدلالة، والقدرة على التعبير والإبانة عن كلّ ما يجول في الخاطر ويجيش في النفس، دخلت في طور متقدّم وهو طور القوانين اللّغويّة التي تحفظها من الفساد والخطأ وكانت "القواعد اللّغويّة". فاللّغة نشأت واكتملت أوّلاً ثمّ وضعت لها القواعد المناسبة.

ثمّ إنّ الاهتمام باللّغة يعود إلى كونها من الظواهر الحياتيّة الأساسيّة، التي تستند إلى التفكير والتعبير والتواصل. لقد شُغِل بها العقل البشري منذ بدء دراسته الأمور التجريديّة، وجعلها من أولى اهتماماته إلى جانب اشتغاله بالموضوعات الفلسفيّة الأخرى. لقد اعتبر الإنسان أنّ معرفة أسرار اللّغة وقوانينها جزء من معرفته الفكريّة بشكل عام. ومن الجدير معرفته، أنّ الاهتمام النشيط بالأبحاث اللّغويّة، كان بسبب الفتوحات العسكريّة، واحتلال أراضي الآخرين، ونقل الحضارة واللّغة إلى غير حامليها الأصليين. فأصحاب الأراضي المحتلّة، عندما تُفْرَض عليهم لغة غير لغتهم الأصليّة، فإنّهم يتكلّمونها بحسب نظامهم الصّوتي الخاص بهم حيث يقعون في أخطاء كثيرة صوتيّة وتركيبيّة ومعجميّة. لذا بدأت دراسة اللّغة وتدوين قواعدها في هذه المناسبة بغية ضبطها. هذه العمليّة تكرّرت مع اليونانيّين ومع العرب. والقول العربي الشهير: "ما دخلت لغة على لغة إلاّ أفسدتها"، يحمل مصداقيّة في هذا المجال.

دور اللّغة في حياة الفرد
نرى ممّا تقدّم:

  1. أنّ اللّغة هي وسيلة اتّصال الإنسان بغيره من أفراد مجتمعه ليحقّق مطالبه ويفصح عن ميوله وعواطفه.
  2. إنّ اللّغة كذلك أداة إقناع، حين يحاول الفرد التأثير في جماعة يريد أن تستجيب إلى ما يدعو إليه وذلك إمّا من طريق النّطق أو الكتابة.
  3. واللّغة كذلك أداة للتفكير، لأنها تعطي أفكارنا جسمًا مسموعًا هو "الكلمة" والصّلة بين اللّغة والفكر وثيقة لأنها الترجمان الذي يعبّرعن أفكارنا ويوصلها إلى الآخرين. وقد قيل: "التفكير كلام صامت، والكلام تفكير جهري".
  4. واللّغة تغذّي الجانب العاطفي وتعبّر عنه بإنتاج الأعمال الأدبيّة كما تغذّي التذوّق الجمالي الذي تعبّر عنه هذه الأعمال. لذلك فإنّ عمل المدرّس لا يتوقّف عند حدّ تمكين التلميذ من التعبير السّليم فقط وإنّما يتجاوز ذلك إلى تمكينه من تذوّق جمال التعبير.
  5. واللّغة، أخيرًا، هي وسيلة الفرد للإفادة من تجارب الجنس البشري وثمار القرائح والعقول من طريق القراءة والاستماع.

دور اللّغة الاجتماعي
رأينا ممّا تقدّم أن اللّغة تقوم بدور أساسيّ في حياة الأفراد والمجتمعات لأنّها أداة التفاهم المهمّة بين البشر، التي بفضلها يتحقّق نمو المجتمع وتطوّره في شتّى شؤون الحياة ومجالاتها. لذلك يُنظر إلى اللّغة في حقل التربية والتعليم كوسيلة أولى للتفاهم بين الأفراد والجماعات ويجب بالتالي أن تدرَّس للتلامذة بإتقان وتدرّج ودراية لتصبح فعلاً أداة التفاهم بين التلميذ وأقرانه وأداة نقل لأفكاره إلى سواه من البشر من طريق التعبيرين: الشفهيّ والكتابيّ.
هذا بالإضافة إلى أنّ اللّغة من أهم وسائل الارتباط الروحي بين أفراد المجتمع الواحد، فهي تحفظ لهذا المجتمع تراثه الثقافي والحضاري وبوساطتها يُنقل كلّ تراث من جيل إلى آخر، وتسمح للأجيال المقبلة في تنمية هذا التراث بعد الإفادة منه.

نظرة التربية إلى تعليم اللّغة
اعتبرت التربية القديمة اللّغة، مادّة أساسيّة كسائر مواد التعليم وخَصَّصَت لها ساعات معيّنة في جدول الدروس الأسبوعيّة، كمادّة مستقلّة عن سائر مواد التدريس.
لكنّ التربية الحديثة لا تنظر إلى اللّغة، وبصورة خاصّة "اللّغة القوميّة"، كمادّة دراسية فحسب بل تعتبرها بالإضافة إلى ذلك "أداة الاتصال والفهم" وبدونها يتعذّر تعليم سائر المواد الدراسية الأخرى. وقد دلّت تجارب المربّين واختباراتهم على أنّ فشل التلامذة وإخفاقهم في الدراسة راجع إلى ضعف مستواهم في اللّغة القوميّة، وعجزهم عن فهم المادة المكتوبة بها. وهذا يدلّ بوضوح على أن اللغة عنصر جوهري في عمليّة التعليم، وليست مادّة دراسيّة مستقلّة لا صلة لها بغيرها من مواد الدراسة الأخرى.
وبناءً على ما تقدّم يترتّب على اعتبار اللّغة وسيلة الاتصال والتفاهم، نتائج عدّة، أهمّها:

  • ما دامت اللّغة القوميّة، من وجهة النظر التربويّة الحديثة، ليست مادّة مستقلّة فإنّ أمر تعليمها لا يصبح مسؤوليّة معلّم اللّغة القوميّة وحده، وإنّما يصبح واجبًا مشتركًا ومسؤولية مشتركة بين جميع المعلّمين. وإنّ اعتبار معلّم اللّغة القوميّة المسؤول الأوّل عن تعليمها لا يعفي بقيّة معلّمي المواد من تحمّل جزء من تبعة إتقان التلامذة للغتهم القوميّة.
  • إنّ النظرة إلى اللّغة على أنّها أداة للتفاهم والاتصال، توجب زيادة اهتمام المعلّمين بها، وتجعل تعليمها غير مقيّد بغرف الدراسة، وغير محدّد المكان بل يجب العناية بتعليمها وحسن استعمالها داخل غرف الدراسة وخارجها وفي كلّ مكان أو مناسبة أو موقف يشجّع على استعمالها وإتقانها.
  • يجب أن تصبح عمليّة تعليم اللّغة عمليّة وظيفيّة هادفة، أي عمليّة تؤدّي إلى وظيفة ودور في الحياة، لا مجرّد حشو أذهان بمعلومات قد تبقى في الذهن زمنًا يطولُ أو يقصرُ من دون أن يجد المتعلّم بتلك الطريقة فرصة أو مجالاً للإفادة منها في حياته العمليّة.

إنّ تعليم اللّغة على هذا الأساس الوظيفي التطبيقي، يجعل التلامذة يتعلّمونها ليستعملوها في حياتهم اليوميّة ومتطلّباتها، لا ليستظهروا قواعد جامدة، وتعاريف لم يعتادوا تطبيقها في تعبيرهم اليومي. فيتعلّمون القواعد التي تصحّح لغتهم وتراكيبهم من الخطأ. كما يتعلّمون من قواعد الإملاء ما يمكّنهم من الكتابة الصحيحة شكلاً وهجاءً، ومن القراءة ما يجعل قراءتهم سريعة صحيحة، وبالتالي بليغة ومعبّرة، ومن المحفوظات أو القصائد التي تحفظ غيبًا والنصوص الأدبيّة ما يتّصل بمشاعرهم وعواطفهم، ومن أصول البلاغة ما ينمّي عندهم ملكة النقد الأدبي عندما يتقدّمون في دراستهم، ويعينهم على تذوّق الأدب والاستمتاع به في حياتهم وأوقات فراغهم وإشباع أذواقهم.

  • أخذت التربية الحديثة، على هذا الأساس التطبيقي الوظيفي في تعليم اللّغة، قبل أن يحدث تغيير جوهري في الأساس الذي يقسّمِ اللّغُة إلى فروع متعدّدة كالقواعد والإملاء والتعبير بنَوعَيه الشّفهيّ والكتابيّ... وهذا التّقسيم ليس معيبًا في ذاته، لأنّ التفريق بين فروع اللّغة يفيد العمليّة التعليميّة لكلّ من هذه الفروع. ولكن العيب الحقيقي يقع عند الفصل الكامل بين فروع اللّغة واستقلال كلّ منها تمام الاستقلال عن الفروع الأخرى، من دون اعتبارها مكمّلة لبعضها بعضًا. لأنّ المراد من تدريسها هو اعتبارها وسيلة للوصول إلى غاية، ألا وهي إجادة التلامذة وإتقانهم القراءة والكتابة الصّحيحتين، وتزويدهم بالقدرة على التعبير الكتابي، وإيصالهم إلى حسن الاستماع لفهم ما يُلقى عليهم.

والخلاصة فإنّ الغرض من الاتّصال اللّغُوي يتحقّق إذا تحدّث المدرّس إلى تلامذته بلغة واضحة، سهلة ومفهومة.

علم اللّغة أو الألسنيّة
لعل من أبرز مظاهر تطوير الدراسات اللّغويّة في عصرنا الحالي نشوء علم اللّغة أو ما يُسمّى بالألسنيّة. فتقدّم العلوم عامّة والعلوم اللّغويّة خاصّة أتاح للباحثين اللّغويّين مجال اتّبِاع طرائق علميّة جديدة لدراسة اللّغة. وقد ركّزت الألسنيّة على دراسة اللّغة كنظام قائم بذاته من حيث هي تتألّف من بنى معيّنة متراصّة ومتكاملة. فتتكوّن كلّ لغة من بنى تتفرّد بها وتميّزها من سواها وترسم الخطوط التي يجب أن يتّبعها متكلّم اللّغة في استعماله لها كوسيلة اتصال. ولا بدّ لنا من التعرّض بإيجاز للعوامل التي ساعدت على نشوء علم اللّغة أو الألسنيّة.

نشوء علم الألسنيّة
نشأت الألسنيّة في الولايات المتّحدة وفي أوروبا كردّة فعل على الدراسات اللّغويّة التقليديّة. ويظهر هذا واضحًا من انتقادات وتصاريح روّاد الألسنيّة، نذكر منهم هنا: فردينان دي سوسير، نيقولاي تروتسكوي، هاريز ونعام تشومسكي. وقد ركّزت هذه الانتقادات على أنّ كتب اللّغة التقليديّة تعتمد في دراستها اللّغويّة على عناصر غير محدّدة بطريقة وافية، وعلى معايير غير ثابتة وعلى مفاهيم غير واضحة. وقد نتج من هذه الانتقادات إعادة نظر جذريّة في المعطيات اللّغويّة وخصوصًا في مفاهيم الدراسة اللّغويّة الأساسيّة: كمفهوم الكلمة مثلاً ومفهوم الصرف والتراكيب، ومفهوم أجزاء الكلام، ومفهوم الجملة. وكي تصبح الألسنيّة علمًا حديثًا، كان عليها أن تتخلّى بصورة نهائيّة عن الطرائق والأساليب التقليديّة في دراسة اللّغة، فتبني مبادئها ومصطلحاتها الخاصّة مبتعدة عن الآراء اللّغويّة القديمة ومعتمدة الأساليب العلميّة الواضحة.

تطوّر علم الألسنيّة
وقد ساعد أيضًا على تطوّر الألسنيّة عوامل غير لغويّة كاختراع الحاسبات الإلكترونيّة. فأبصرَت النور دراسات جديدة تتعلّق باللّغة، مثل الترجمة الآليّة والتحليل الآلي للنّصوص، ما وسّع ميدان علم اللّغة وظهرت احتمالات إدخال الآلة للقيام بأعمال لغويّة تتطلّب مجهودًا كبيرًا (كتخزين المعاجم مثلاً). ولكي تنجز الآلة مهمّتها، في هذه الميادين، كان من الضروري الإلمام بموضوع اللّغة. وممّا لا شكّ فيه أنّ دور هذه العوامل الخارجيّة كان بالغ الأهميّة في تطوير الدراسات اللّغويّة باتّجاه علمي تجديدي.

تعريف علم الألسنيّة
وتجدر الإشارة إلى أن الألسنيّة مدينة إلى "فرديناند دي سوسير" الذي كان له الفضل الأول في وضع تعريف علمي لطرائقها ومواضيعها. فقد نظر دي سوسير إلى اللّغة كظاهرة اجتماعيّة، وقد دفعه اهتمامه بتفهّم عمل اللّغة إلى التشديد على مفهوم التنظيم. فهو يعرّفِ اللغة "بتنظيم إشارات مفارقة أو مغايرة".

ويعني دي سوسير بكلمة "تنظيم" مجموعة القواعد التي تحدّد، ضمن اللّغة، استعمال الأصوات والصّيِغ وأساليب التعبير النحويّة والمعجميّة، وهو من لفت الانتباه إلى أنّ اللّغة كلّ لغة هي كلّ منظّم من العناصر التي لا تمكن دراسته إلاّ من حيث كونه يعمل كمجموعة ولا يكون بالتالي لعناصر التنظيم، إذا أخذت على حدة، أيّ دلالة بحدّ ذاتها، وإنّما تقوم دلالتها فقط عندما نربطها بالتنظيم ككل. كما لا تكون العناصر مهمّة في التنظيم بل الأهمّية للروابط والعلاقات التي تخضع فيما بينها. ولكي يتوصّل دي سوسير إلى إفهام رأيه بصورة واضحة وجليّة يشبّه اللّغة بلعبة الشّطرنج فيقول: "إذا استبدلت بقطع اللّعب الخشبيّة قطع لعب عاجيّة مثلاً، لا يكون لهذا التغيير الحاصل أي تأثير في التنظيم، بينما إذا أنقصت عدد القطع أو زدتها فيكون لهذا التغيير تأثيرعميق في قواعد اللّعُبة". والمفهوم الثاني هو مفهوم الإشارة الذي هو مدخل إلى موضوع الدلالة أو المعنى. وتكمن أهمّية هذا المفهوم في أنه يدخل ضمن وظيفة اللّغة الأساسية التي هي، الاتصال والتعبير عن الأفكار الإنسانية. ولئن كان مفهوم التنظيم يختص بالترتيب الشّكلي للّغة فإنّ مفهوم الإشارة يتعلّق بوظيفتها الاجتماعيّة والنفسيّة. ولكن ما هي الإشارة التي يرمز إليها دي سوسير؟
إنّها عنصر التنظيم اللّغوي، وإذا أردنا التمسّك بتعابير دي سوسير، فهي الوحدة اللّغويّة المتكوّنة من دال ومدلول. فالدّال هو الإدراك النفساني للكلمة الصوتيّة والمدلول هو الفكرة أو مجموعة الأفكار التي تقترن بالدّال. فنلاحظ أنّ مفهوم الإشارة هنا يقترن بين معنى مجرّد (المدلول) وبين صورة صوتيّة (الدّال). ويجدربنا أن نشير إلى أنّ المدلول في اللّغة لا يطابق "الشيء الّذي تشير إليه الكلمة" وأنّ الدّال والمدلول لا يمثّلان "الكلمة والشيء".  فمن الناحية اللغويّة لا تعني كلمة "شيء" أي معنى، بحدّ ذاتها فقط، بل هي تستمد معناها من خلال التمثيل الثقافي الذي يضفيه عليها الإنسان، عبر شكل الإشارة بالذات أي عبر اقتران الدّال بالمدلول.
ومفهوم الإشارة كما يحدّده دي سوسير مفهوم مجرّد ودقيق يتخطّى مفهوم "الكلمة التقليدي والمبهم". فالإشارة إذًا هي الوحدة اللّغوية التي تكون باتّحاد الدّال بالمدلول. خلاصة القول إن الدراسة التأريخيّة تعير جلّ اهتمامها إلى قضايا التهافت أو التراكم، ذلك أن ثقافة الأزمنة والعصور عنصر مهم من عناصر تطوّر اللّغة وتغيّرها وتبدّلها. بينما تلفت الدراسة الوصفيّة إلى الأحداث اللّغويّة المعاصرة التي تكون مرآة صادقة ينعكس فيها جوهر اللّغة وشكلها وطبيعتها ويتمّ من خلالها تحليل التنظيم اللّغوي .

ما هو دور الألسنيّة في طرائق التدريس؟
سنحاول الإجابة عن هذا السّؤال بصورة مقتضبة بعض الشيء:

  •  إن التربويّين يقرّون أنّ الدراسات الألسنيّة هي دراسات دقيقة ومثيرة للاهتمام في ميدان البحث الذهني. وما من أبحاث إنسانيّة قد تطلّبت في السّنين الأخيرة مقدار ما تتطلّبه الدراسات الألسنيّة من اهتمام أو أثارت قضايا مهمّة حول لغة الإنسان وفكره بالقدر الّذي أثارته هذه الدراسات بالذات والألسنيّة تتعرّض لقضايا التعلّم عبر محاولتها تسليط الأضواء على طبيعة اللّغة الإنسانيّة. ذلك أنّ الإنسان يكتسب اللّغة.
  • إنّ النظريّة اللّغويّة الألسنيّة تكون حافزًا للمعلّم كي يتعمّق في المعطيات اللّغويّة وهي توجّهه عبر مشكلات اللّغة وتساعده على تنظيم الخطوات التي يتّخذها في ما يتعلّق بترتيب المادة اللغويّة تنظيمًا علميّاً، كما تسانده في تقييمه لتطوّر برنامج تعلّم اللّغة الأم.
  •  ومن المسلّمات الّتي شاعت أخيرًا في أوساط التربويّين أن على معلّم اللّغة الأم أن يعود إلى عمليّة اكتساب اللّغة لتوجيه عمليّة تعلّمها وتفهّم مشكلاتها بصورة عامة. وممّا لا شكّ فيه أنّ الألسنيّة قد أسهمت اسهامًا كبيرًا في دراسة عمليّة اكتساب اللّغة عند الأطفال.

إنّ ما قام به سوسير وأكمله تشومسكي، يسمح لنا بتحديد اللّغة كبنية قائمة بذاتها، وأنّها تقوم على تنظيم معيّن. لذا يميّز الألسنيّون البنيويّون بين معرفة الإنسان التنظيم اللّغوي وبين استعماله اللّغة في عمليّة التكلّم. هذا التمييز هو الّذي قال به سوسير، عندما فرّق بين اللّغة وبين الكلام.

تمييز الكفاية اللّغوية من الأداء الكلامي
 نلاحظ الشيء نفسه عند تشومسكي، الّذي يميّز "الكفاية اللّغويّة"  من "الأداء الكلامي". كذلك يميّز سوسير في مبادئه الفكريّة اللّغة من الكلام من خلال تعريفه اللّغة وتوصيفها. فاللّغة في نظره مؤسّسة اجتماعيّة، إنّها نتاج اجتماعي لمقدرة التكلّم، وهي تختلف عن استعمال الأفراد لهذه المقدرة، إنّها مجموعة الاصطلاحات الضروريّة. لذا يميّز سوسير ما هو فردي ممّا هو اجتماعي، وتستند نظريّته على مقياس الطابع الاجتماعي، لأنّه المبدأ الأساس لوحدة اللّغة وتماسكها، ويضيف سوسير في كلامه عن اللّغة بأنّها واقع مكتسب اصطلاحي وهي مؤسّسة اجتماعيّة. فالرابط الاجتماعي هو الّذي يكوّن اللّغة. وفي تمييزه اللّغة من الكلام، يقول سوسير اللّغة قائمة ضمن مجموعة الأفراد، وتأخذ شكل سِمات موضوعة في كلّ عقل تقريبًا. أي شكل معجم تتوزّع نسخاته بين الأفراد. اللّغة كنز وضعته ممارسة الكلام عند الأفراد، الذين ينتمون إلى بيئة لغويّة واحدة، إنّها تنظيم قواعد موجودة بصورة مضمرة في عقل كلّ فرد من حاملي اللّغة، ولا وجود للّغة بصورة كاملة إلا ضمن المجموعة. فاللّغة إذًا هي هذا التنظيم المضمر المجرّد، ويُفترض وجوده بصورة من الصُور خارج إطار الكلام المحسوس. ولا بدّ من تقرير مبدأ وجود هذا التنظيم، كي نتفهّم نتاج الكلام الممكن لحظه عند الأفراد. وتحقيق اللّغة يعود في الواقع إلى الفرد، أي أنّ الكلام والأداء الكلامي لا يتحقّقان من طريق المجموعة، لأنّهما عمل فردي، يسيطر الفرد عليه دائمًا فندعوه الكلام.

تعرّف الألسنيّة العامّة وهي المدخل إلى الدراسات اللسانيّة الخاصة بعض المفاهيم التي تسمح بتبيان الموضوع (اللّسان) داخل المادّة (ظاهرات الكلام) في أثناء البحث التجريبي في لغة من اللّغات.

مقاربة اللّغة من وجهة النظر الألسنيّة
عند الدراسة الألسنيّة، ينبغي أخذ مجموعة من المبادئ المنطلقات، لكي نقارب موضوع اللّغة مقاربة ألسنيّة، وليس دراسة تقليديّة، أي أنّ اللّغة نظام وتنبغي دراستها من هذا المبدأ، انطلاقًا من عناصر هذا النظام وعلاقاتها في ما بينها، لا من المعايير التي تفرضها قاعدات اللغة الأدبيّة الراقية والتي يجب علينا مراعاتها. فاللغة إذًا ظاهرة اجتماعيّة، تستخدم لتحقيق التفاهم بين الناس، لذا ينبغي أن نضع في اعتبارنا العلاقة المتبادلة بين الصوت والمعنى، لأن هذه العلاقة هي الأساس في عمليّة إقامة الاتصال.
إنّ إسهام سوسير الرئيس، الذي سار عليه غالبيّة من جاء بعده، هو تمييزه ثلاثة مفاهيم، هي اللّغة واللّسان، والكلام.
اللّغة هي اللّغة بصفة عامّة، الملكة المشتركة بين البشر، التي تسمح للناس بالتفاهم بوساطة إشارات صوتيّة. إنّها ظاهرة إنسانيّة لها أشكال كثيرة تنتج من الملكة اللّغويّة عند البشر. كما أنّها مقدرة عامّة، أي قواعد فطريّة تكمن وراء جميع الألسن، وهي التي تعطي إمكانيّة إنتاج اللّسان والكلام.
إنّ ظاهرة الكلام البشري ينبغي أن تدرك وتستقبل على أنّ لها جانبين متميّزين: جانب موحّد يُسمّى اللّسان، وجانب آخر هو عبارة عن أفعال مُعينة للّسان، تُسمّى أفعال الكلام. فاللّسان هو المكوّن المعرفي، الّذي ينبغي أن يعرفه مستخدم اللّسان في مقابل التكلّم، الذي هو المكوّن السّلوكي لحدث التواصل الصّوتي. ويعتبر اللّسان معيارًا اجتماعيّاً وجزءًا من الثقافة، بينما يكتسب التكلّم جوهرًا ودلالة فقط، إذا كان يؤكّد أو يطابق ممارسات اللسان الاجتماعية. أضف إلى ذلك أنّ سوسير كان يعتبر اللسان مكوّنًا فرضيّاً، افترضه المنظّر لكي يفسّر الدليل التّجريبي المستمد من ملاحظة الفرد المتكلّم. ويلفت سوسير النظر إلى أن معرفة القواعد لا تعني المقدرة الفعليّة على التعبير عنها، بصورة تسمح بالتواصل والتفاعل مع الآخرين. ولعلّ التفاوت بين معرفة القواعد والإخفاق في ترجمتها إلى الكلام له دلالة سيكولوجيّة، يهتم بها علماء النفس ويهملها الألسنيّون.
نستنتج ممّا سبق أنّ اللّغة هي القدرة الضمنيّة الخاصّة بالفرد البشري، التي تسمح له بأن يتّصل بأبناء مجتمعه. وتعريفه اللسان بأنّه جزء معيّن من اللّغة، أو هو بالأحرى تحقيق لها في مجتمع ما أو لدى شعب معيّنَ، وهو ميدان التواصل اللّغوي.

فن تعليم اللّغات المتعدّدة في الإطار اللّبناني
إنّ وحدة الألسنيّة العامّة وأهدافها التي يمكن تطبيقها، لا بل يجب مراعاتها في سائر اللّغات على أساس الوظائف العامّة للّغات جميعًا... من هنا التقاء الفرنكوفونيّة أو الأنكلوفونيّة والعربوفونيّة وغيرها من لغات العالم على قواسم مشتركة في طرائق التدريس والتحليل والبحث. وعلى هذا الأساس يمكن تبادل الخبرات وتقاسمها والتماثل في ما بينها سواء في تحديد الأهداف العامة والأهداف الخاصّة واستراتيجيات التعلّم وطرائق التقييم، تحديدًا مشتركًا وقوي الترابط والتشابه بين مختلف اللّغات. وذلك بالحفاظ طبعًا على خصوصيّة كلّ لغة، من ناحية تركيبها الصرفيّ والنحويّ والدلاليّ. ولما كانت المناهج التي أصدرها المركزالتربوي للبحوث والإنماء في العام 1997 قد شدّدت على الانفتاح الثقافي والمعرفي ومواكبة المستجدّات العالميّة الحديثة، فقد أتاح المركز أيضًا أمام التلامذة اللبنانيين فرصة تعلّم وإتقان أكثر من لغة أجنبيّة واحدة إلى جانب لغتهم الأم فكانت اللّغة الإيطاليّة والإسبانيّة والألمانيّة إلى جانب الفرنسيّة والإنكليزيّة.

إنّ فن تعليم اللّغات المتعدّدة في الإطار اللبناني بدأ مع الثورة اللغويّة التي حقّقها اللبنانيون من خلال التَماس اللّغوي الّذي بدأ مع الفرنسيّة والإنكليزيّة، فكانت الثورة الجبرانيّة التي غيّرت إيقاع اللّغة ومخيّلتها وبنائها وبلاغتها وحساسيّتها. من هنا، من هذا الزواج اللغوي والتفاعل والصراع، ولدت رمزية سعيد عقل، فأحدثت في العربيّة نحتًا وموسيقى وتجدّدًا للشكل ومزجًا بين العقلانية والتّأمّل. من هذا الزواج اللّغوي أيضًا استطاع أنسي الحاج وحنان الشّيخ تحطيم الفصاحة العربيّة بأدواتها وإقامة أشكال ومبانٍ بدونها وإيجاد غناء خارجها. فمن هذا الزواج والصراع جاءت أجيال السبعينيّات والثمانينيّات التي أدخلت إلى الشّعر والرِواية حساسية جديدة. يمكننا أن ندرج هنا بعض أسماء الروائيّين والشّعراء: بول شاوول، وديع سعاده، محمّد علي شمس الدّين، جودت فخر الدّين، بسّام حجّار، عبده وازن، شارل شهوان، عقل العويط، عصام عبد للهّ، هدى بركات، أنطوان الدويهي...

إذا نظرنا إلى كلّ هذه المراحل بدا لنا أنّ الأدب اللّبناني الحديث هو ثمرة هذا الحوار اللّغوي وأنّ ما أدخله هذا الأدب إلى اللّغة العربيّة هو بالضبط نتيجة هذا الزواج الثقافي. وبالطّبع لا يمكننا أن ننظر إلى الفكر اللّبناني بعين أخرى، ذلك أنّ دراسات وأبحاث أحمد بيضون ووضّاح شرارة وحسن قبيسي وعلي حرب ووجيه كوثراني، وآخرين هي خلاصة هذا الزواج اللّغوي. يمكننا أن نستخلص من كل ذلك أنّ الثقافة في لبنان لعبت دورها الريادي في الثقافة العربيّة، بحيث أدخلت إليها روحًا وحساسية جديدتين ومباني فكر وأدب وتجارب متفرّدة، نتيجة للجسر الثقافي واللّغوي الذي بنته وامتازت به ردحًا طويلاً من الزمن.
وهكذا، يتّضح لنا بصورة جليّة أنّ اللّغة قد اتّخذت منحًى تطويريّاً، بدأ بتطوّر علم الاجتماع إلى ظهور علوم اللغة العامّة أي "الألسنيّة"، التي لم يكن أئمة اللغة والنقد والأدب في عصورنا الذهبية بعيدين عنها، فقد سمّى العرب قديمًا هذه العلوم اللغويّة "بفقه اللغة". وأخيرًا وليس آخرًا، انتهى هذا التطوير اللّغوي بفن تعليم اللغات المتعدّدة في الإطار اللبناني.

 

المصادر والمراجع

  • د. أبو ناضر موريس: إشارة اللّغُة ودلالة الكلام – دار المختارات، بيروت -  لبنان، 1990
  • أشار بيار: سوسيولوجيا اللُّغة - ترجمة د. عبد الوهاب ترّو-منشورات -  عويدات-بيروت، طبعة أولى، 1996
  • دي سوسّير فرديناند: محاضرات في الألسنيّة العامّة-ترجمة يوسف غازي ومجيد النّصر-دار نعمان للثقافة 1984، جونيه-لبنان.
  • تشومسكي ناحوم: اللّغُة والمسؤوليّة-ترجمة عيسى العاكوب-معهد الإنماء- العربيّ-بيروت، 1998
  • د. زكريّا ميشال: الألسنيّة (علم اللّغُة الحديث) المبادئ والأعلام-المؤسّسة- الجامعيّة للدراسات والنشر والتوزيع-طبعة ثانية 1983، بيروت-لبنان.
  • د. لطفي مصطفى: اللّغة العربيّة في إطارها الاجتماعي-معهد الإنماء العربيّ، بيروت-لبنان 1981

من مقاربة علم الاجتماع والألسنيّة إلى فن تعليم اللّغات المتعدّدة في الأُطُر اللّبنانيّةَ

صورة للاستاذ عمر بو عرم رئيس قسم اللّغة العربيّة وآدابها في المركز التربوي للبحوث والإنماءالإنسان كائن اجتماعي بالطّبع، كما قال ابن خلدون، يعيش مع مجموعة من أبناء جنسه تربطه بهم روابط متعدّدة من نسب وجوار ومصالح مشتركة ووحدة آمال وأحلام وعواطف وغير ذلك من الروابط التي تنشأ في كلّ مجتمع متجانس. ولا بدّ لهذه المجموعات البشريّة من وسيلة للتفاهم، بدأت هذه المجموعات بالبحث عنها منذ أقدم العصور، وصارت محاو
لات التفاهم هذه تتدرّج من زمن طويل قبل الوصول إلى اللّغة المطلوبة للتفاهم. فاتّخذت من الإشارات والأصوات والرموز والرسم والتصوير وسائل تعين مبدئيّاً على التفاهم.وظلّت هذه الوسائل ترقى عبر العصور حتى أصبحت لغات اليوم التي تتفاهم بواسطتها شعوب الأرض على اختلافها.

القواعد اللّغُوية

يثبت التاريخ أن التدرج الذي مرّت به كلّ لغة قد انتقل من الأصوات إلى المقاطع إلى الألفاظ.ثمّ خضعت هذه الألفاظ لنوع من الوضع والاصطلاح، وبعد أن تجاوزت اللّغة مرحلة النّشأة والتطوّر والتقدّم ووصلت إلى طور من الوضوح والدقّة في الدلالة، والقدرة على التعبير والإبانة عن كلّ ما يجول في الخاطر ويجيش في النفس، دخلت في طور متقدّم وهو طور القوانين اللّغويّة التي تحفظها من الفساد والخطأ وكانت "القواعد اللّغويّة". فاللّغة نشأت واكتملت أوّلاً ثمّ وضعت لها القواعد المناسبة.

ثمّ إنّ الاهتمام باللّغة يعود إلى كونها من الظواهر الحياتيّة الأساسيّة، التي تستند إلى التفكير والتعبير والتواصل. لقد شُغِل بها العقل البشري منذ بدء دراسته الأمور التجريديّة، وجعلها من أولى اهتماماته إلى جانب اشتغاله بالموضوعات الفلسفيّة الأخرى. لقد اعتبر الإنسان أنّ معرفة أسرار اللّغة وقوانينها جزء من معرفته الفكريّة بشكل عام. ومن الجدير معرفته، أنّ الاهتمام النشيط بالأبحاث اللّغويّة، كان بسبب الفتوحات العسكريّة، واحتلال أراضي الآخرين، ونقل الحضارة واللّغة إلى غير حامليها الأصليين. فأصحاب الأراضي المحتلّة، عندما تُفْرَض عليهم لغة غير لغتهم الأصليّة، فإنّهم يتكلّمونها بحسب نظامهم الصّوتي الخاص بهم حيث يقعون في أخطاء كثيرة صوتيّة وتركيبيّة ومعجميّة. لذا بدأت دراسة اللّغة وتدوين قواعدها في هذه المناسبة بغية ضبطها. هذه العمليّة تكرّرت مع اليونانيّين ومع العرب. والقول العربي الشهير: "ما دخلت لغة على لغة إلاّ أفسدتها"، يحمل مصداقيّة في هذا المجال.

دور اللّغة في حياة الفرد
نرى ممّا تقدّم:

  1. أنّ اللّغة هي وسيلة اتّصال الإنسان بغيره من أفراد مجتمعه ليحقّق مطالبه ويفصح عن ميوله وعواطفه.
  2. إنّ اللّغة كذلك أداة إقناع، حين يحاول الفرد التأثير في جماعة يريد أن تستجيب إلى ما يدعو إليه وذلك إمّا من طريق النّطق أو الكتابة.
  3. واللّغة كذلك أداة للتفكير، لأنها تعطي أفكارنا جسمًا مسموعًا هو "الكلمة" والصّلة بين اللّغة والفكر وثيقة لأنها الترجمان الذي يعبّرعن أفكارنا ويوصلها إلى الآخرين. وقد قيل: "التفكير كلام صامت، والكلام تفكير جهري".
  4. واللّغة تغذّي الجانب العاطفي وتعبّر عنه بإنتاج الأعمال الأدبيّة كما تغذّي التذوّق الجمالي الذي تعبّر عنه هذه الأعمال. لذلك فإنّ عمل المدرّس لا يتوقّف عند حدّ تمكين التلميذ من التعبير السّليم فقط وإنّما يتجاوز ذلك إلى تمكينه من تذوّق جمال التعبير.
  5. واللّغة، أخيرًا، هي وسيلة الفرد للإفادة من تجارب الجنس البشري وثمار القرائح والعقول من طريق القراءة والاستماع.

دور اللّغة الاجتماعي
رأينا ممّا تقدّم أن اللّغة تقوم بدور أساسيّ في حياة الأفراد والمجتمعات لأنّها أداة التفاهم المهمّة بين البشر، التي بفضلها يتحقّق نمو المجتمع وتطوّره في شتّى شؤون الحياة ومجالاتها. لذلك يُنظر إلى اللّغة في حقل التربية والتعليم كوسيلة أولى للتفاهم بين الأفراد والجماعات ويجب بالتالي أن تدرَّس للتلامذة بإتقان وتدرّج ودراية لتصبح فعلاً أداة التفاهم بين التلميذ وأقرانه وأداة نقل لأفكاره إلى سواه من البشر من طريق التعبيرين: الشفهيّ والكتابيّ.
هذا بالإضافة إلى أنّ اللّغة من أهم وسائل الارتباط الروحي بين أفراد المجتمع الواحد، فهي تحفظ لهذا المجتمع تراثه الثقافي والحضاري وبوساطتها يُنقل كلّ تراث من جيل إلى آخر، وتسمح للأجيال المقبلة في تنمية هذا التراث بعد الإفادة منه.

نظرة التربية إلى تعليم اللّغة
اعتبرت التربية القديمة اللّغة، مادّة أساسيّة كسائر مواد التعليم وخَصَّصَت لها ساعات معيّنة في جدول الدروس الأسبوعيّة، كمادّة مستقلّة عن سائر مواد التدريس.
لكنّ التربية الحديثة لا تنظر إلى اللّغة، وبصورة خاصّة "اللّغة القوميّة"، كمادّة دراسية فحسب بل تعتبرها بالإضافة إلى ذلك "أداة الاتصال والفهم" وبدونها يتعذّر تعليم سائر المواد الدراسية الأخرى. وقد دلّت تجارب المربّين واختباراتهم على أنّ فشل التلامذة وإخفاقهم في الدراسة راجع إلى ضعف مستواهم في اللّغة القوميّة، وعجزهم عن فهم المادة المكتوبة بها. وهذا يدلّ بوضوح على أن اللغة عنصر جوهري في عمليّة التعليم، وليست مادّة دراسيّة مستقلّة لا صلة لها بغيرها من مواد الدراسة الأخرى.
وبناءً على ما تقدّم يترتّب على اعتبار اللّغة وسيلة الاتصال والتفاهم، نتائج عدّة، أهمّها:

  • ما دامت اللّغة القوميّة، من وجهة النظر التربويّة الحديثة، ليست مادّة مستقلّة فإنّ أمر تعليمها لا يصبح مسؤوليّة معلّم اللّغة القوميّة وحده، وإنّما يصبح واجبًا مشتركًا ومسؤولية مشتركة بين جميع المعلّمين. وإنّ اعتبار معلّم اللّغة القوميّة المسؤول الأوّل عن تعليمها لا يعفي بقيّة معلّمي المواد من تحمّل جزء من تبعة إتقان التلامذة للغتهم القوميّة.
  • إنّ النظرة إلى اللّغة على أنّها أداة للتفاهم والاتصال، توجب زيادة اهتمام المعلّمين بها، وتجعل تعليمها غير مقيّد بغرف الدراسة، وغير محدّد المكان بل يجب العناية بتعليمها وحسن استعمالها داخل غرف الدراسة وخارجها وفي كلّ مكان أو مناسبة أو موقف يشجّع على استعمالها وإتقانها.
  • يجب أن تصبح عمليّة تعليم اللّغة عمليّة وظيفيّة هادفة، أي عمليّة تؤدّي إلى وظيفة ودور في الحياة، لا مجرّد حشو أذهان بمعلومات قد تبقى في الذهن زمنًا يطولُ أو يقصرُ من دون أن يجد المتعلّم بتلك الطريقة فرصة أو مجالاً للإفادة منها في حياته العمليّة.

إنّ تعليم اللّغة على هذا الأساس الوظيفي التطبيقي، يجعل التلامذة يتعلّمونها ليستعملوها في حياتهم اليوميّة ومتطلّباتها، لا ليستظهروا قواعد جامدة، وتعاريف لم يعتادوا تطبيقها في تعبيرهم اليومي. فيتعلّمون القواعد التي تصحّح لغتهم وتراكيبهم من الخطأ. كما يتعلّمون من قواعد الإملاء ما يمكّنهم من الكتابة الصحيحة شكلاً وهجاءً، ومن القراءة ما يجعل قراءتهم سريعة صحيحة، وبالتالي بليغة ومعبّرة، ومن المحفوظات أو القصائد التي تحفظ غيبًا والنصوص الأدبيّة ما يتّصل بمشاعرهم وعواطفهم، ومن أصول البلاغة ما ينمّي عندهم ملكة النقد الأدبي عندما يتقدّمون في دراستهم، ويعينهم على تذوّق الأدب والاستمتاع به في حياتهم وأوقات فراغهم وإشباع أذواقهم.

  • أخذت التربية الحديثة، على هذا الأساس التطبيقي الوظيفي في تعليم اللّغة، قبل أن يحدث تغيير جوهري في الأساس الذي يقسّمِ اللّغُة إلى فروع متعدّدة كالقواعد والإملاء والتعبير بنَوعَيه الشّفهيّ والكتابيّ... وهذا التّقسيم ليس معيبًا في ذاته، لأنّ التفريق بين فروع اللّغة يفيد العمليّة التعليميّة لكلّ من هذه الفروع. ولكن العيب الحقيقي يقع عند الفصل الكامل بين فروع اللّغة واستقلال كلّ منها تمام الاستقلال عن الفروع الأخرى، من دون اعتبارها مكمّلة لبعضها بعضًا. لأنّ المراد من تدريسها هو اعتبارها وسيلة للوصول إلى غاية، ألا وهي إجادة التلامذة وإتقانهم القراءة والكتابة الصّحيحتين، وتزويدهم بالقدرة على التعبير الكتابي، وإيصالهم إلى حسن الاستماع لفهم ما يُلقى عليهم.

والخلاصة فإنّ الغرض من الاتّصال اللّغُوي يتحقّق إذا تحدّث المدرّس إلى تلامذته بلغة واضحة، سهلة ومفهومة.

علم اللّغة أو الألسنيّة
لعل من أبرز مظاهر تطوير الدراسات اللّغويّة في عصرنا الحالي نشوء علم اللّغة أو ما يُسمّى بالألسنيّة. فتقدّم العلوم عامّة والعلوم اللّغويّة خاصّة أتاح للباحثين اللّغويّين مجال اتّبِاع طرائق علميّة جديدة لدراسة اللّغة. وقد ركّزت الألسنيّة على دراسة اللّغة كنظام قائم بذاته من حيث هي تتألّف من بنى معيّنة متراصّة ومتكاملة. فتتكوّن كلّ لغة من بنى تتفرّد بها وتميّزها من سواها وترسم الخطوط التي يجب أن يتّبعها متكلّم اللّغة في استعماله لها كوسيلة اتصال. ولا بدّ لنا من التعرّض بإيجاز للعوامل التي ساعدت على نشوء علم اللّغة أو الألسنيّة.

نشوء علم الألسنيّة
نشأت الألسنيّة في الولايات المتّحدة وفي أوروبا كردّة فعل على الدراسات اللّغويّة التقليديّة. ويظهر هذا واضحًا من انتقادات وتصاريح روّاد الألسنيّة، نذكر منهم هنا: فردينان دي سوسير، نيقولاي تروتسكوي، هاريز ونعام تشومسكي. وقد ركّزت هذه الانتقادات على أنّ كتب اللّغة التقليديّة تعتمد في دراستها اللّغويّة على عناصر غير محدّدة بطريقة وافية، وعلى معايير غير ثابتة وعلى مفاهيم غير واضحة. وقد نتج من هذه الانتقادات إعادة نظر جذريّة في المعطيات اللّغويّة وخصوصًا في مفاهيم الدراسة اللّغويّة الأساسيّة: كمفهوم الكلمة مثلاً ومفهوم الصرف والتراكيب، ومفهوم أجزاء الكلام، ومفهوم الجملة. وكي تصبح الألسنيّة علمًا حديثًا، كان عليها أن تتخلّى بصورة نهائيّة عن الطرائق والأساليب التقليديّة في دراسة اللّغة، فتبني مبادئها ومصطلحاتها الخاصّة مبتعدة عن الآراء اللّغويّة القديمة ومعتمدة الأساليب العلميّة الواضحة.

تطوّر علم الألسنيّة
وقد ساعد أيضًا على تطوّر الألسنيّة عوامل غير لغويّة كاختراع الحاسبات الإلكترونيّة. فأبصرَت النور دراسات جديدة تتعلّق باللّغة، مثل الترجمة الآليّة والتحليل الآلي للنّصوص، ما وسّع ميدان علم اللّغة وظهرت احتمالات إدخال الآلة للقيام بأعمال لغويّة تتطلّب مجهودًا كبيرًا (كتخزين المعاجم مثلاً). ولكي تنجز الآلة مهمّتها، في هذه الميادين، كان من الضروري الإلمام بموضوع اللّغة. وممّا لا شكّ فيه أنّ دور هذه العوامل الخارجيّة كان بالغ الأهميّة في تطوير الدراسات اللّغويّة باتّجاه علمي تجديدي.

تعريف علم الألسنيّة
وتجدر الإشارة إلى أن الألسنيّة مدينة إلى "فرديناند دي سوسير" الذي كان له الفضل الأول في وضع تعريف علمي لطرائقها ومواضيعها. فقد نظر دي سوسير إلى اللّغة كظاهرة اجتماعيّة، وقد دفعه اهتمامه بتفهّم عمل اللّغة إلى التشديد على مفهوم التنظيم. فهو يعرّفِ اللغة "بتنظيم إشارات مفارقة أو مغايرة".

ويعني دي سوسير بكلمة "تنظيم" مجموعة القواعد التي تحدّد، ضمن اللّغة، استعمال الأصوات والصّيِغ وأساليب التعبير النحويّة والمعجميّة، وهو من لفت الانتباه إلى أنّ اللّغة كلّ لغة هي كلّ منظّم من العناصر التي لا تمكن دراسته إلاّ من حيث كونه يعمل كمجموعة ولا يكون بالتالي لعناصر التنظيم، إذا أخذت على حدة، أيّ دلالة بحدّ ذاتها، وإنّما تقوم دلالتها فقط عندما نربطها بالتنظيم ككل. كما لا تكون العناصر مهمّة في التنظيم بل الأهمّية للروابط والعلاقات التي تخضع فيما بينها. ولكي يتوصّل دي سوسير إلى إفهام رأيه بصورة واضحة وجليّة يشبّه اللّغة بلعبة الشّطرنج فيقول: "إذا استبدلت بقطع اللّعب الخشبيّة قطع لعب عاجيّة مثلاً، لا يكون لهذا التغيير الحاصل أي تأثير في التنظيم، بينما إذا أنقصت عدد القطع أو زدتها فيكون لهذا التغيير تأثيرعميق في قواعد اللّعُبة". والمفهوم الثاني هو مفهوم الإشارة الذي هو مدخل إلى موضوع الدلالة أو المعنى. وتكمن أهمّية هذا المفهوم في أنه يدخل ضمن وظيفة اللّغة الأساسية التي هي، الاتصال والتعبير عن الأفكار الإنسانية. ولئن كان مفهوم التنظيم يختص بالترتيب الشّكلي للّغة فإنّ مفهوم الإشارة يتعلّق بوظيفتها الاجتماعيّة والنفسيّة. ولكن ما هي الإشارة التي يرمز إليها دي سوسير؟
إنّها عنصر التنظيم اللّغوي، وإذا أردنا التمسّك بتعابير دي سوسير، فهي الوحدة اللّغويّة المتكوّنة من دال ومدلول. فالدّال هو الإدراك النفساني للكلمة الصوتيّة والمدلول هو الفكرة أو مجموعة الأفكار التي تقترن بالدّال. فنلاحظ أنّ مفهوم الإشارة هنا يقترن بين معنى مجرّد (المدلول) وبين صورة صوتيّة (الدّال). ويجدربنا أن نشير إلى أنّ المدلول في اللّغة لا يطابق "الشيء الّذي تشير إليه الكلمة" وأنّ الدّال والمدلول لا يمثّلان "الكلمة والشيء".  فمن الناحية اللغويّة لا تعني كلمة "شيء" أي معنى، بحدّ ذاتها فقط، بل هي تستمد معناها من خلال التمثيل الثقافي الذي يضفيه عليها الإنسان، عبر شكل الإشارة بالذات أي عبر اقتران الدّال بالمدلول.
ومفهوم الإشارة كما يحدّده دي سوسير مفهوم مجرّد ودقيق يتخطّى مفهوم "الكلمة التقليدي والمبهم". فالإشارة إذًا هي الوحدة اللّغوية التي تكون باتّحاد الدّال بالمدلول. خلاصة القول إن الدراسة التأريخيّة تعير جلّ اهتمامها إلى قضايا التهافت أو التراكم، ذلك أن ثقافة الأزمنة والعصور عنصر مهم من عناصر تطوّر اللّغة وتغيّرها وتبدّلها. بينما تلفت الدراسة الوصفيّة إلى الأحداث اللّغويّة المعاصرة التي تكون مرآة صادقة ينعكس فيها جوهر اللّغة وشكلها وطبيعتها ويتمّ من خلالها تحليل التنظيم اللّغوي .

ما هو دور الألسنيّة في طرائق التدريس؟
سنحاول الإجابة عن هذا السّؤال بصورة مقتضبة بعض الشيء:

  •  إن التربويّين يقرّون أنّ الدراسات الألسنيّة هي دراسات دقيقة ومثيرة للاهتمام في ميدان البحث الذهني. وما من أبحاث إنسانيّة قد تطلّبت في السّنين الأخيرة مقدار ما تتطلّبه الدراسات الألسنيّة من اهتمام أو أثارت قضايا مهمّة حول لغة الإنسان وفكره بالقدر الّذي أثارته هذه الدراسات بالذات والألسنيّة تتعرّض لقضايا التعلّم عبر محاولتها تسليط الأضواء على طبيعة اللّغة الإنسانيّة. ذلك أنّ الإنسان يكتسب اللّغة.
  • إنّ النظريّة اللّغويّة الألسنيّة تكون حافزًا للمعلّم كي يتعمّق في المعطيات اللّغويّة وهي توجّهه عبر مشكلات اللّغة وتساعده على تنظيم الخطوات التي يتّخذها في ما يتعلّق بترتيب المادة اللغويّة تنظيمًا علميّاً، كما تسانده في تقييمه لتطوّر برنامج تعلّم اللّغة الأم.
  •  ومن المسلّمات الّتي شاعت أخيرًا في أوساط التربويّين أن على معلّم اللّغة الأم أن يعود إلى عمليّة اكتساب اللّغة لتوجيه عمليّة تعلّمها وتفهّم مشكلاتها بصورة عامة. وممّا لا شكّ فيه أنّ الألسنيّة قد أسهمت اسهامًا كبيرًا في دراسة عمليّة اكتساب اللّغة عند الأطفال.

إنّ ما قام به سوسير وأكمله تشومسكي، يسمح لنا بتحديد اللّغة كبنية قائمة بذاتها، وأنّها تقوم على تنظيم معيّن. لذا يميّز الألسنيّون البنيويّون بين معرفة الإنسان التنظيم اللّغوي وبين استعماله اللّغة في عمليّة التكلّم. هذا التمييز هو الّذي قال به سوسير، عندما فرّق بين اللّغة وبين الكلام.

تمييز الكفاية اللّغوية من الأداء الكلامي
 نلاحظ الشيء نفسه عند تشومسكي، الّذي يميّز "الكفاية اللّغويّة"  من "الأداء الكلامي". كذلك يميّز سوسير في مبادئه الفكريّة اللّغة من الكلام من خلال تعريفه اللّغة وتوصيفها. فاللّغة في نظره مؤسّسة اجتماعيّة، إنّها نتاج اجتماعي لمقدرة التكلّم، وهي تختلف عن استعمال الأفراد لهذه المقدرة، إنّها مجموعة الاصطلاحات الضروريّة. لذا يميّز سوسير ما هو فردي ممّا هو اجتماعي، وتستند نظريّته على مقياس الطابع الاجتماعي، لأنّه المبدأ الأساس لوحدة اللّغة وتماسكها، ويضيف سوسير في كلامه عن اللّغة بأنّها واقع مكتسب اصطلاحي وهي مؤسّسة اجتماعيّة. فالرابط الاجتماعي هو الّذي يكوّن اللّغة. وفي تمييزه اللّغة من الكلام، يقول سوسير اللّغة قائمة ضمن مجموعة الأفراد، وتأخذ شكل سِمات موضوعة في كلّ عقل تقريبًا. أي شكل معجم تتوزّع نسخاته بين الأفراد. اللّغة كنز وضعته ممارسة الكلام عند الأفراد، الذين ينتمون إلى بيئة لغويّة واحدة، إنّها تنظيم قواعد موجودة بصورة مضمرة في عقل كلّ فرد من حاملي اللّغة، ولا وجود للّغة بصورة كاملة إلا ضمن المجموعة. فاللّغة إذًا هي هذا التنظيم المضمر المجرّد، ويُفترض وجوده بصورة من الصُور خارج إطار الكلام المحسوس. ولا بدّ من تقرير مبدأ وجود هذا التنظيم، كي نتفهّم نتاج الكلام الممكن لحظه عند الأفراد. وتحقيق اللّغة يعود في الواقع إلى الفرد، أي أنّ الكلام والأداء الكلامي لا يتحقّقان من طريق المجموعة، لأنّهما عمل فردي، يسيطر الفرد عليه دائمًا فندعوه الكلام.

تعرّف الألسنيّة العامّة وهي المدخل إلى الدراسات اللسانيّة الخاصة بعض المفاهيم التي تسمح بتبيان الموضوع (اللّسان) داخل المادّة (ظاهرات الكلام) في أثناء البحث التجريبي في لغة من اللّغات.

مقاربة اللّغة من وجهة النظر الألسنيّة
عند الدراسة الألسنيّة، ينبغي أخذ مجموعة من المبادئ المنطلقات، لكي نقارب موضوع اللّغة مقاربة ألسنيّة، وليس دراسة تقليديّة، أي أنّ اللّغة نظام وتنبغي دراستها من هذا المبدأ، انطلاقًا من عناصر هذا النظام وعلاقاتها في ما بينها، لا من المعايير التي تفرضها قاعدات اللغة الأدبيّة الراقية والتي يجب علينا مراعاتها. فاللغة إذًا ظاهرة اجتماعيّة، تستخدم لتحقيق التفاهم بين الناس، لذا ينبغي أن نضع في اعتبارنا العلاقة المتبادلة بين الصوت والمعنى، لأن هذه العلاقة هي الأساس في عمليّة إقامة الاتصال.
إنّ إسهام سوسير الرئيس، الذي سار عليه غالبيّة من جاء بعده، هو تمييزه ثلاثة مفاهيم، هي اللّغة واللّسان، والكلام.
اللّغة هي اللّغة بصفة عامّة، الملكة المشتركة بين البشر، التي تسمح للناس بالتفاهم بوساطة إشارات صوتيّة. إنّها ظاهرة إنسانيّة لها أشكال كثيرة تنتج من الملكة اللّغويّة عند البشر. كما أنّها مقدرة عامّة، أي قواعد فطريّة تكمن وراء جميع الألسن، وهي التي تعطي إمكانيّة إنتاج اللّسان والكلام.
إنّ ظاهرة الكلام البشري ينبغي أن تدرك وتستقبل على أنّ لها جانبين متميّزين: جانب موحّد يُسمّى اللّسان، وجانب آخر هو عبارة عن أفعال مُعينة للّسان، تُسمّى أفعال الكلام. فاللّسان هو المكوّن المعرفي، الّذي ينبغي أن يعرفه مستخدم اللّسان في مقابل التكلّم، الذي هو المكوّن السّلوكي لحدث التواصل الصّوتي. ويعتبر اللّسان معيارًا اجتماعيّاً وجزءًا من الثقافة، بينما يكتسب التكلّم جوهرًا ودلالة فقط، إذا كان يؤكّد أو يطابق ممارسات اللسان الاجتماعية. أضف إلى ذلك أنّ سوسير كان يعتبر اللسان مكوّنًا فرضيّاً، افترضه المنظّر لكي يفسّر الدليل التّجريبي المستمد من ملاحظة الفرد المتكلّم. ويلفت سوسير النظر إلى أن معرفة القواعد لا تعني المقدرة الفعليّة على التعبير عنها، بصورة تسمح بالتواصل والتفاعل مع الآخرين. ولعلّ التفاوت بين معرفة القواعد والإخفاق في ترجمتها إلى الكلام له دلالة سيكولوجيّة، يهتم بها علماء النفس ويهملها الألسنيّون.
نستنتج ممّا سبق أنّ اللّغة هي القدرة الضمنيّة الخاصّة بالفرد البشري، التي تسمح له بأن يتّصل بأبناء مجتمعه. وتعريفه اللسان بأنّه جزء معيّن من اللّغة، أو هو بالأحرى تحقيق لها في مجتمع ما أو لدى شعب معيّنَ، وهو ميدان التواصل اللّغوي.

فن تعليم اللّغات المتعدّدة في الإطار اللّبناني
إنّ وحدة الألسنيّة العامّة وأهدافها التي يمكن تطبيقها، لا بل يجب مراعاتها في سائر اللّغات على أساس الوظائف العامّة للّغات جميعًا... من هنا التقاء الفرنكوفونيّة أو الأنكلوفونيّة والعربوفونيّة وغيرها من لغات العالم على قواسم مشتركة في طرائق التدريس والتحليل والبحث. وعلى هذا الأساس يمكن تبادل الخبرات وتقاسمها والتماثل في ما بينها سواء في تحديد الأهداف العامة والأهداف الخاصّة واستراتيجيات التعلّم وطرائق التقييم، تحديدًا مشتركًا وقوي الترابط والتشابه بين مختلف اللّغات. وذلك بالحفاظ طبعًا على خصوصيّة كلّ لغة، من ناحية تركيبها الصرفيّ والنحويّ والدلاليّ. ولما كانت المناهج التي أصدرها المركزالتربوي للبحوث والإنماء في العام 1997 قد شدّدت على الانفتاح الثقافي والمعرفي ومواكبة المستجدّات العالميّة الحديثة، فقد أتاح المركز أيضًا أمام التلامذة اللبنانيين فرصة تعلّم وإتقان أكثر من لغة أجنبيّة واحدة إلى جانب لغتهم الأم فكانت اللّغة الإيطاليّة والإسبانيّة والألمانيّة إلى جانب الفرنسيّة والإنكليزيّة.

إنّ فن تعليم اللّغات المتعدّدة في الإطار اللبناني بدأ مع الثورة اللغويّة التي حقّقها اللبنانيون من خلال التَماس اللّغوي الّذي بدأ مع الفرنسيّة والإنكليزيّة، فكانت الثورة الجبرانيّة التي غيّرت إيقاع اللّغة ومخيّلتها وبنائها وبلاغتها وحساسيّتها. من هنا، من هذا الزواج اللغوي والتفاعل والصراع، ولدت رمزية سعيد عقل، فأحدثت في العربيّة نحتًا وموسيقى وتجدّدًا للشكل ومزجًا بين العقلانية والتّأمّل. من هذا الزواج اللّغوي أيضًا استطاع أنسي الحاج وحنان الشّيخ تحطيم الفصاحة العربيّة بأدواتها وإقامة أشكال ومبانٍ بدونها وإيجاد غناء خارجها. فمن هذا الزواج والصراع جاءت أجيال السبعينيّات والثمانينيّات التي أدخلت إلى الشّعر والرِواية حساسية جديدة. يمكننا أن ندرج هنا بعض أسماء الروائيّين والشّعراء: بول شاوول، وديع سعاده، محمّد علي شمس الدّين، جودت فخر الدّين، بسّام حجّار، عبده وازن، شارل شهوان، عقل العويط، عصام عبد للهّ، هدى بركات، أنطوان الدويهي...

إذا نظرنا إلى كلّ هذه المراحل بدا لنا أنّ الأدب اللّبناني الحديث هو ثمرة هذا الحوار اللّغوي وأنّ ما أدخله هذا الأدب إلى اللّغة العربيّة هو بالضبط نتيجة هذا الزواج الثقافي. وبالطّبع لا يمكننا أن ننظر إلى الفكر اللّبناني بعين أخرى، ذلك أنّ دراسات وأبحاث أحمد بيضون ووضّاح شرارة وحسن قبيسي وعلي حرب ووجيه كوثراني، وآخرين هي خلاصة هذا الزواج اللّغوي. يمكننا أن نستخلص من كل ذلك أنّ الثقافة في لبنان لعبت دورها الريادي في الثقافة العربيّة، بحيث أدخلت إليها روحًا وحساسية جديدتين ومباني فكر وأدب وتجارب متفرّدة، نتيجة للجسر الثقافي واللّغوي الذي بنته وامتازت به ردحًا طويلاً من الزمن.
وهكذا، يتّضح لنا بصورة جليّة أنّ اللّغة قد اتّخذت منحًى تطويريّاً، بدأ بتطوّر علم الاجتماع إلى ظهور علوم اللغة العامّة أي "الألسنيّة"، التي لم يكن أئمة اللغة والنقد والأدب في عصورنا الذهبية بعيدين عنها، فقد سمّى العرب قديمًا هذه العلوم اللغويّة "بفقه اللغة". وأخيرًا وليس آخرًا، انتهى هذا التطوير اللّغوي بفن تعليم اللغات المتعدّدة في الإطار اللبناني.

 

المصادر والمراجع

  • د. أبو ناضر موريس: إشارة اللّغُة ودلالة الكلام – دار المختارات، بيروت -  لبنان، 1990
  • أشار بيار: سوسيولوجيا اللُّغة - ترجمة د. عبد الوهاب ترّو-منشورات -  عويدات-بيروت، طبعة أولى، 1996
  • دي سوسّير فرديناند: محاضرات في الألسنيّة العامّة-ترجمة يوسف غازي ومجيد النّصر-دار نعمان للثقافة 1984، جونيه-لبنان.
  • تشومسكي ناحوم: اللّغُة والمسؤوليّة-ترجمة عيسى العاكوب-معهد الإنماء- العربيّ-بيروت، 1998
  • د. زكريّا ميشال: الألسنيّة (علم اللّغُة الحديث) المبادئ والأعلام-المؤسّسة- الجامعيّة للدراسات والنشر والتوزيع-طبعة ثانية 1983، بيروت-لبنان.
  • د. لطفي مصطفى: اللّغة العربيّة في إطارها الاجتماعي-معهد الإنماء العربيّ، بيروت-لبنان 1981